كمال بالهادي إن ما يحدث في مصر هو لعب بالنار، لأنّ من يرى الأدوات الإعلامية التي تتبنى الحراك الصغير، هي ذات الأدوات الإعلامية التخريبية التي حولت ساحات سوريا والعراق وليبيا إلى خرابسرعان ما تحرّكت «الجزيرة» والإعلام القطري المرتبط بها، ووكالة الأناضول التركية، لالتقاط صور من ميدان التحرير أو من ساحات مصرية أخرى فيما روجت له على أنّه حراك ثوري مصري يطالب برحيل الرئيس عبد الفتاح السياسي. وقد بات واضحاً أنّ هذه الشبكة الإعلامية الممتدة من الدوحة إلى أنقرة حيث تستمرّ عمليات هندسة ربيع التخريب العربي، تريد إعادة إنتاج سيناريو سنة 2011، الذي أدى إلى ما أدى إليه من نتائج لم تعد تخفى على أحد.«الماكينة الإعلامية» ذاتها التي عملت على تخريب الدول العربية، واستباحت الحدود، تبنّت أفكار الإرهاب الدموي وفتحت أمامه الأبواب للإفتاء وإصدار الرسائل المشفّرة لتنفيذ العمليات الإرهابية، قفزت على الحدث المصري وسعت إلى تحويله لطبق إعلامي يسيل لعاب القابعين أمام الشاشات والحالمين بأن تتحول شوارع القاهرة إلى إدلب جديدة أو إلى طرابس أو صنعاء حيث الفوضى الهدامة، وحيث لا دولة ولا استقرار. يقول المحلل السياسي التونسي رافع الطبيب مفسراً دور هذه الدوائر الخفية في إشاعة الفوضى: «أكثر هذه المجموعات المرتبطة بالإدارة الأمريكية والتي أسهمت في تخطيط وتنفيذ وإدارة العملية الجيوسياسية العظمى المسماة «الربيع العربي»، هي منظمة «أوتبور» الصربية، وعلى أيادي هذه المجموعة تخرجت كل المنظمات التي كونت الفاعلين والناشطين في الفضاء السيبراني العربي منذ 2006، ونجد أيضاً منظمة «الاوبن سوسايتي» لصاحبها الملياردير الأمريكي جورج سوروس والحلف العالمي للحركات الشبابية. وقد كان مركز«كانفاس» في ضواحي بلغراد مقصد العديد ممن أغرقوا الفضاء السيبراني بالأخبار الزائفة والتحريضية على امتداد سنوات الربيع العجاف». وتأييداً لهذا الرأي يقول الباحث إبراهيم أبو عتيلة، مثبتاً دور هذه المنظمات الممولة من طرف منظمات صهيونية، في تجنيد الشباب العربي لخدمة أهداف تدميرية، يفتخر قائد «أوتبور» سيرجيو بوبوفيتش بتدريب عناصر من حركة 6 إبريل المصرية في صربيا، حيث يذكر بوبوفيتش أنّ الحركة نجحت في تدريب نشطاء سياسيين من 37 دولة، للعمل على إسقاط حكوماتهم كما في جورجيا وأوكرانيا والمالديف وليبيا وتونس ومصر وسوريا، كما قامت «أوتبور» بتدريب الشباب فيها.ويضيف إبراهيم أبو عتيلة مثبتاً فكرة توظيف شعارات الحق من أجل ما هو باطل:«يعتبر ما يقوم به مروجو «أوتبور» متشابهاً في دول العالم المختلفة، ولقد اتخذوا شعارات الحرية البراقة والديمقراطية الغربية ومحاربة الفساد والدولة المدنية مدخلاً لهم للوصول إلى العامة كوسيلة للقيام بقلب أنظمة الحكم وهو نفس ما قامت به «أوتبور» في الثورة الصربية، فما أسهل مداعبة الجماهير بتلك الشعارات الرنانة وهي ذات الشعارات التي استخدمها رواد «الربيع العربي» المشؤوم». ويريد المتظاهرون الآن إعادة ترويجها في الساحة المصرية. إن ما يحدث في مصر هو لعب بالنار، لأنّ من يرى الأدوات الإعلامية التي تتبنى الحراك الصغير، هي ذات الأدوات الإعلامية التخريبية، وهي لا هدف لها في مصر سوى إعادة تنصيب جماعة الإخوان في مصر في سدة الحكم لتنفيذ ما تم التخطيط له سابقاً من نشر هذا الفكر في كل أرجاء الوطن العربي. التغيير الفوضوي القائم على الشعارات الرنانة لن يقود إلا إلى التهلكة. لقد أثبتت أغلب الشعوب العربية، التي يستقيل أغلب شبابها من العمل السياسي والجمعياتي، والتي تنعدم فيها مراكز البحث الاستراتيجية وتنعدم فيها القابلية للدفاع عن استقلالية القرار، أنها كمن يحفر قبره بنفسه، استعداداً لدفن نفسه وهو حي. سيغتر الشباب الثائر بأنه حرّ وسيّد نفسه، ولكن حين تصل القوى التي تسمي نفسها ثورية، فإنها لن تتجرأ على الخروج من تبعية القرار السياسي والاقتصادي. لقد أثبتت الثورات أن أسمى أهدافها هو العودة إلى مستويات نمو كانت تحقق في السابق، أما عن المواقف الدولية فإن «الزعماء الجدد» الثوريين جدّاً، لن يقدموا على تجريم التطبيع مثلاً أو على تأميم الثروات، فتلك خطوط حمر تعلموها في «أوتبور»، وفي«كانفاس». belhadikamel85@gmail.com
مشاركة :