جميعنا استمتع بمشاهدة فيلم "بطل من ورق " ، وشخصية "رامى خشوع " التى جسدها الفنان "ممدوح عبد العليم "، والتى دارت أحداثه فى اطار كوميدى لقصة بطل تم صناعته عن طريق سيناريو سُرق من طريق إعداده للتصوير السينمائى ، ليجسد اللص أحداث السيناريو فى الواقع عن طريق عدة جرائم محكمة التنفيذ ، هل تعلم عزيزى القارئ أن هناك من يكتب سيناريوهات لمسار التاريخ ؟ ، سيناريوهات للعرض على شاشة الحياة لا شاشة السينما ، سيناريوهات مشاهد الدموية كتبت بحبر سرى غير مرئى ، يمثلها الناس دون وعى وإدراك لنهايتها ، وهذه السيناريوهات يكتبها مفكرين و سياسيين لغرض تحريك التاريخ و التنبؤ بمستقبل الشعوب ، فهدف العلم والمعرفة هو محاولة إكتشاف المجهول لإمتلاك القدرة على التنبؤ بالمستقبل ، ومن تلك الأفكار و الأطروحات التى كانت سببًا فى الحركات الثورية والحروب الدموية ، ما طرحه "كارل ماركس " ( 1818 ــ 1883 م) والتى رسم فيها طريق للصراع بين الطبقات الإجتماعية وعلى رأسها الطبقات الرأسمالية البرجوازية المالكة لأسباب الإنتاج و طبقة البروليتاريا التى تمثل الطبقة العاملة حين صور الرأسمالى باللص الذى يسرق جهدا من العامل و وقت لا يدفع عنه أجرًا ، ويتولد عن هذة السرقة القيمة التى يراكم منها الرأسماليون أرباحهم ، وتنبأ "ماركس" بصراع الطبقات بعد أن تظهر قوة العمال عن طريق بناء الكيانات الإجتماعية التى ستطالب بحقوقهم ، وهو ما حدث بالفعل بتكوين الأحزاب مثل حزب العمال البريطانى و النقابات العمالية وغيرها من الكيانات الأخرى و نتج عن ذلك الصراع العديد من الثورات التى غيرت ملامح الخريطة السياسية فى الشرق و الغرب منها ثورة "جوزيف تيتو" بيوجسلافيا ، الشيوعية الصينية ، و الروسية والتى كانت سببًا فى الحروب التى دارت بين الرأسمالية و الشيعوية لعشرات السنين و خلفت دماء ، كانت وستظل وصمة عار على جبين الإنسانية .وبعد انتهاء الحرب الباردة قام الدكتور " صموئيل هانتجتون" الأستاذ بجامعة هارفارد الأمريكية بإعداد دراسة وتصور عن تحرك التاريخ فيما بعد الحرب الباردة فكان بحثه "صدام الحضارات " الذى نشر عام 1993 ، ولم يكن مجرد بحث أكاديمى بل رؤية تقود إلى توصيات تقدم لمتخذ القرار الأمريكى فى الشئون الخارجية ، وقد رأى " هانتجتون" أن هناك صراعات كثيرة ستشهدها المنطقة العربية نتيجة إختلاف الحضارات و الثقافات بين شعوب هذه المناطقة ، ورأى أن حدود الإسلام ستكون دموية و شمالها فى الشام وتركيا و البوسنة أكثر دموية من جنوبها فى الهند و باكستان ، وأن المحرك لهذه الصراعات سيكون الفكر الإيدولوجى و الفكرى ، حين يبحث كل شعب من هذه الشعوب عن هويته ، و أوصى الغرب بإستغلال هذه الصراعات ، والحفاظ على تفوقهم الاقتصادي و العسكرى لحماية مصالحهم .أعتقد أن ما رسمه " هانتجتون " فى صدام الحضارات قد ظهر فى المنطقة العربية و كان سببًا فى الحروب الأهلية التى عصفت ببعض الدول ، وتبقى مصر بعيدة كل البعد عن صدام الحضارات لأن مصر أساس الحضارة الإنسانية وصاحبة فضل على كل الحضارات ، و إذا رأى أن الصراع سيكون نتيجة سعى الشعوب للبحث عن هويتهم ، فهويتنا الفرعونية القبطية الإسلامية العربية راسخة فى أعماق التاريخ ، فالمصرى يمتلك ثراء فى الانتماءات الحضارية التى تحول بينه وبين الصراع الثقافى و الحضارى مع أى ثقافة أخرى فنحن شعب مسالم نسالم من يسالمنا و نعادى من يعادينا ، فمصر مهد الحضارة قلب العالم الذى ينبض بالسلام والمحبة لشعوب الأرض .
مشاركة :