الحق في التذكر أم النسيان؟

  • 9/26/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

د. حسن مدن قبل أكثر من عقد رفعت عائلة أمريكية قُتل ابنها في العراق دعوى قضائية ضد أحد مواقع البريد الإلكتروني، لعله «هوتميل»، لأنه رفض منح العائلة الحق في الدخول إلى البريد الإلكتروني للابن القتيل، الذي كان يحوي الرسائل المتبادلة بينه وبين أفراد عائلته، في فترة وجوده مقاتلاً في البلد البعيد عن وطنه.الموقع الإلكتروني الذي رفعت ضده القضية برر رفضه منح العائلة هذا الحق ب «حماية سرية وخصوصية» المشتركين، حتى لو كانوا قد توفوا. ولست أذكر الآن إلى أي حكم انتهت المحكمة التي كان عليها أن توازن بين مبدأين: حق العائلة المدعية في «حماية التذكر»، عبر الاحتفاظ برسائل ابنها، وبين مبدأ حماية سرية المراسلات الذي إليه استند الموقع الإلكتروني المعني.مؤخراً أصدرت محكمة العدل الأوروبية حكماً يقضي بعدم إلزام شركة «جوجل» بتطبيق ما يعرف ب «حق النسيان» من خلال محركات البحث التابعة لها في جميع أنحاء العالم. كأننا بصدد قضية نقيضة لتلك التي أتينا على ذكرها، فمن رفع الدعوى، هذه المرة، وهي هيئة معنية بحماية الخصوصية في فرنسا، لا تريد حماية «الحق في التذكر»، إنما «الحق في النسيان»، عبر مطالبتها بإزالة بعض المواد التي يقود إليها «جوجل»، تتصل بأفراد أو جهات يريدون محوها، لأسباب مختلفة، قد يكون أحدها شعورهم بأنها تسيء إليهم.وهذا، على كل حال، ما أكدّته اللجنة الوطنية للمعلومات والحريات الفرنسية التي طالبت «جوجل» في عام 2015 ب «إزالة قوائم نتائج البحث للصفحات التي تحتوي على معلومات ضارة أو خاطئة عن شخص ما من جميع محركات البحث التابعة لها عالمياً».لم تكن «جوجل» وحيدة في تصدّيها للدعوى المرفوعة ضدها. حصلت على دعم من «مايكروسوفت» ومؤسسة «ويكيميديا» مالكة «ويكيبيديا»، و«مراسلون من أجل حرية الصحافة» ومنظمة «المادة 19» المعنية بحرية التعبير.يذكر أن «جوجل»، وبناء على قرار من محكمة العدل الأوروبية قبل عدة أعوام، تلقت ما يزيد على 845 ألف طلب إزالة مجموع 3.3 مليون عنوان إنترنت، وحُذف نحو 45 في المئة من الروابط.هي معضلة تكشف عن أحد التحديات التي يفرضها العالم الرقمي الذي بتنا جميعاً أسرى له، فإذا كنا ندعو إلى صون الحق في التذكر، فلماذا لا ندافع أيضاً عن «الحق في النسيان»، لكن حججاً دامغة تقف بوجه هذا السؤال - الحجة، لأن الأمر، في بعض جوانبه على الأقل، يمس وقائع التاريخ التي ليس من الحق حجبها. madanbahrain@gmail.com

مشاركة :