لا أدري لماذا تستصغر جهات قطاعنا الخاص مهنة حارس الأمن التي لا يشغلها إلّا مواطن حسب الأنظمة؟.. ودليلي على استصغاره هو أنّ الجهات تُخصّص له الراتب الأقلّ في سلّم رواتبها الطويل والعريض!. هل الاستصغار ناتج عن عدم وجود بدائل وظيفية أفضل لحارس الأمن الذي هو في الغالب شاب حديث التخرّج؟ ولولا البطالة والحاجة لما قَبِل بهذه الوظيفة ذات الحوافز المادية القليلة!. وحارس الأمن يقضي معظم وقت دوامه في مدخل جهة عمله، يعني تقريبًا في الشارع، ولا يكتفي بالحراسة، بل بتنظيم السيّارات خارج جهته وإرشاد مراجعيها، ويتعرّض للأخطار المختلفة، ومهنته بحق مهمّة للمجتمع!. ودعوني هنا أقارن بين دخله المادّي ودخل عامل نظافة الشوارع، وأضع المقارنة على طاولة صاحب القرار في وزارة العمل وأيّ جهة معنية أخرى!. فالحارس ليس له دخْل سوى راتبه الذي لا يتجاوز ٣ آلاف ريال، وهو غالباً بلا سكن مملوك، وبدل سكن وتأمين طبّي، ووسيلة مواصلات تأتي به لجهة عمله، وهو قد يكون عائلاً لأسرة فقيرة، إمّا والديْن قد بلغا عنده الكِبَر أحدهما أو كلاهما، وإمّا زوجة بلا وظيفة وأطفال صغار محتاجون للرعاية!. أمّا عامل النظافة فراتبه ٤٠٠ ريال، ولديه سكن مجّاني، صحيح أنّ سكنه متواضع لكنّه مجّاني، ولديه كذلك تأمين طبّي، وتتكفّل الشركة بمواصلاته بين سكنه وشارع عمله، ويقوم بتحويل جُلّ راتبه لذويه في بلده، ويتلقّى صدقات الناس ومساعداتهم آناء الليل وأطراف النهار، خارج المساجد، وعند إشارات المرور، وفي كلّ مكان على طول الشوارع وعرضها، وحتّى أمام مداخل الجهات التي يحرسها حارس الأمن!. وقد تبلغ الصدقات والمساعدات لعامل النظافة في الشهر الواحد أكثر من راتب حارس الأمن، ويقول الطير الأخضر أنّها تصل أحياناً لضعف راتب الحارس وأكثر، حتّى أنّ عُمّال النظافة ومن باب التعاون بينهم يتناوبون على الدوام في الأماكن التي يتّصف سُكّانها بالكرم الحاتمي وإغداق الصدقات والمساعدات عليهم، فإن لم يكن هناك تعاون بينهم فيُؤجِّر بعضهم لبعض هذه الأماكن بمعلوم مالي مقابل دوام جزئي لبعض الوقت!. وكلّ هذا يجري أمام حارس الأمن الذي أستكبر فيه قناعته وعزّته وعفافه وإخلاصه في عمله الناتج عن وطنيته، ولولا ذلك لربّما تمنّى أن يكون عامل نظافة وافد ويصنع مثله!. أنا أتمنّى إقرار كادر خاص بحارس الأمن في القطاع الخاص، وتحسينه وترقيته، فهو يتحمّل مسؤولية كبيرة، وعند حصول أيّ مشكلة أمنية يُسألُ عنها هو قبل زملائه، فلماذا نتذكّره في الشدّة ولا نتذكّره في الرخاء؟ ولا يُضير جهات القطاع الخاص رفع راتبه بما لا يُؤثّر على أرباحها الكبيرة!. وحارس الأمن هو مواطن مُفِيد، ويحتاج لمن يُفيده بالمثل، لا أن يزرعه في تربة العوز والحرمان!.
مشاركة :