سمة وجودية.. هل الإبداع موهبة أم مهارة مكتسبة؟

  • 9/26/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يبدو أن الإبداع سمة عظيمة قدمت حلولاً كثيرة لمشاكل كبيرة واجهت كل المجتمعات، فلولا الإبداع لما قُضيت حاجات البشر منذ قديم الأزل، ولو تعمقنا كثيرًا في الحضارات والثقافات القديمة لكنا لاحظنا الشواهد الواضحة الدالة على هذا الكلام. فالإبداع ليس سمة حديثة العهد، وإنما هي سمة وجودية لازمت البشرية منذ النشأة، فلو ألقينا نظرة إلى النقوش الفرعونية على الجدران والتماثيل والمباني في مختلف الحضارات سنلاحظ توليفة إبداعية من الرموز والشفرات تحكي ثقافات الفراعنة وحضارتهم العظيمة، فما نراه حقًا يدل على أن هذه الحقبة كانت تتميز بعقل بشري ذي قدرة إبداعية خارقة أصبحت علامة مضيئة تُشع نورها في مختلف الثقافات. إذن، يُعد الإبداع من أهم الموارد الحقيقية التي يمتلكها الإنسان، فلولا الإبداع لبقينا في نفس دائرة الأفكار مرة تلو الأخرى، ويُمكننا القول إن سمة الإبداع خُلقت من أجل توليد الأفكار الحديثة التي تُغير من واجهات المجتمعات يومًا تلو الآخر. في هذا الشأن يدور في كثير من الأذهان سؤال مُلح، وهو: هل الإبداع موهبة بالفطرة أم مهارة مكتسبة؟ بمعنى آخر؛ هل الإبداع مُقتصر على فئة بعينها من البشر تحمل جينات الإبداع عن طريق الوراثة، أم أنها صفة يُمكن اكتسابها من خلال الدورات؟ في هذا المقال نجيب عن السؤال كالتالي: الإبداع جين وراثي ينتقل من شخص لآخر تُشير آراء بعض الخبراء والعلماء إلى أن الإبداع سمة تنتقل من جين لآخر؛ حيث إن الإبداع يتواجد في مكان محدد من الدماغ؛ مستدلين على ذلك بأبناء الممثلين والمطربين فهم لهم صفات جينية متوارثة، وقد تنمو عملية الإبداع من خلال التطوير الفكري وكسب المزيد من المهارات، وهنا يقول الباحث «زابولكس كيري»: إن هناك أجزاء مختلفة من الدماغ تمتلك القدرة الكافية للتواصل مع بعضها البعض، وذلك له دور كبير في معالجة الأفكار. وأفادت دراسة، تم نشرها في مجلة «بلوس وان» مؤخرًا؛ بأن هناك سببًا للاعتقاد بأن هناك مجموعة محددة واحدة من الجينات المسؤولة عن العديد من الميول الإبداعية، وهذه التجربة التي أجراها باحثون من جامعة «هلسنكي»؛ كشفت عن أن هناك صلة محتملة بين الإبداع الموسيقي والجينوم البشري، وأوضحت الدراسة أيضًا أنه يوجد عدد من الجينات مرتبطة بقوة بالإبداع الموسيقي؛ وهذه المجموعة من الجينات معروفة بأنها تمثل عاملًا كبيرًا في إنشاء اتصال بين أجزاء الدماغ وبعضها البعض. ويؤكد البعض أن الإبداع سمة وراثية مستدلين بمبتكري وعلماء الهندسة والحاسوب والفيزياء ودراسة خلفياتهم الوراثية، وسنجد أن السبب وراء كل هذا التميز ما هو إلا خليط وراثي، ومثال على ذلك: ألبرت أينشتاين، العبقري الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء، والذي أدت استنتاجاته بالبراهين إلى تفسير العديد من الظواهر الفيزيائية التي فشلت الفيزياء الكلاسيكية في إثباتها، وبعد وفاته اكتشف طب التشريح أن مخ ألبرت أينشتاين مختلف عن دماغ الإنسان الطبيعي. الموهبة والإبداع والعلاقة بينهما يعتقد البعض أن الإبداع والموهبة ما هي إلا كلمات مترادفة ذات معنى واحد، والحقيقة أن لكل كلمة معنى ويوجد الكثير من الفروقات بينها، ليس من الضرورة أن يكون المتفوق شخصًا موهوبًا، فالموهبة هي قدرة خاصة تُمكن الفرد من إنجاز المهمة بكل سهولة ويُسر. إذن، فالاختلاف بين كلمة الموهبة والإبداع، أن الإبداع مقدرة عامة مستقلة مثلها مثل مجالات عديدة للموهبة؛ ويتميز الإنسان المُبدع بطرق مختلفة في التفكير، ويقوم بفعل أشياء غير معتادة وبطرق مختلفة، وايجاد علاقات جديدة بين الأشياء وبعضها البعض، وقدرته فائقة على التخيل وإعادة التكوين بصورة جديدة. أما الموهبة فهي مكون وراثي؛ حيث تولد مع الإنسان في اللحظة الأولى ولا يوجد أي تدخل من الطبيعة أو البيئة في الموهبة، ويُمكن بذل المزيد من الجهود والعمل على تنميتها وتطويرها، حتى يتطور الشخص الموهوب ويصبح مبدعًا وأكثر تميزًا عن الموهوبين، إذن؛ فالموهبة طاقة كامنة ونشاط، وعملية الإبداع قد تكون نتاجًا لهذا النشاط وتلك الطاقة. اكتساب الإبداع في بادئ الأمر، نؤكد أن سمة الإبداع تُعتبر من أكثر المجالات البحثية التي تحظى باهتمام كبير لدى الأكاديميين والباحثين، لكونه مطلبًا أساسيًا من عملية النجاح، سواء كان في المؤسسات أو الأفراد، لذلك يُمكننا القول إن البحث والتطوير هما عبارة عن مجهودات يقوم بها الفرد لتحويل الأشياء إلى حلول فنية، في صور مختلفة. إن عملية البحث والتطوير تُمكن الأشخاص من إيجاد معرفة جديدة تشكل إبداعًا، ولو نظرنا إلى بعض الدراسات التي تُجرى في المؤسسات، سنلاحظ أنها تعتمد كُليًا على عملية البحث والتطوير، والتي تُعتبر من الأسس المعبرة عن الإبداع، والتي تسمح ببناء الميزة التنافسية لدى الأفراد والمؤسسات والشركات. في نهاية المطاف، الإبداع هو سلوك بشري يُمكن توظيفه في تحقيق الذات، فهو يحتاج إلى قدرة فائقة على الإحساس بالمشكلات التي تتطلب المعالجة، ومن ثم القدرة على التفكير بشكل مختلف،وإيجاد الحل المناسب لهذه المشكلات. لذلك، ينبغي على الشركات والمؤسسات أن تلعب دورًا كبيرًا في تطوير العملية الإبداعية لتشجيع الإبداع لدى الموظفين، ويُمكن ذلك من خلال الأنظمة والإجراءات المحددة. الإبداع والابتكار والعلاقة بينهما الحقيقة، يبدو أن مفاهيم الإبداع والابتكار تدور حول شيء واحد وهو الإتيان بشيء جديد وحديث، ولكن هناك اختلافات بين وجهات النظر حول هذه المترادفات، فهناك من يقول بوجود فروقات بين مفهوم الإبداع والابتكار، وهناك من يرى أنها تدور حول مفاهيم موحدة. وفي هذا الإطار، يقول الباحث «القريوتي»؛ إن الإبداع والابتكار يجمعهما مفهوم ومعنى واحد وهو الإتيان بشيء جديد غير مألوف؛ حيث اعتبر أنهما يشيران إلى الشيء ذاته، بينما يرى «Cumming»؛ أن الإبداع يأتي بأشياء جديدة وحديثة، أما الابتكار فهو بمثابة تشكيل بعض الأشياء لتصبح ملموسة، كالسلع والخدمات. خلاصة القول، إن سمة الإبداع تتعلق بتوليد الأفكار والإتيان بشيء جديد، بينما الابتكار يتعلق بتطبيق هذه الأفكار والأشياء الجديدة وتحويلها إلى واقع ملموس. اقرأ أيضًا: تجنبها.. سلوكيات تعيق توليد الأفكار وتقتل روح الإبداع

مشاركة :