كتبت في المقال السابق فكرة إيجاد أو إعادة تأسيس مدرسة تحضير البعثات وفق مفهوم عصري متطور، وقد تباينت ردود الفعل من القلة الذين علقوا على الموضوع. هذا التباين يفرح ولا يزعج لأن مهمتي ليس البحث عن موافقة الجميع على ما أطرحه من أفكار، بل يسعدني نقاش ما أطرحه بوعي وتقدير لاجتهادي فيه. بعض الملاحظات التي لا ترى جدوى تأسيس مدرسة تحضير البعثات (وهذا اسم لست مصرا عليه، فقد تحمل اسمًا آخر، كمعهد أو مركز أو مؤسسة) ألخصها في التالي: - هذه فكرة قديمة تناسب زمن قبل ستين عامًا ولم يعد لها مكان في الوقت الراهن. - هذه فكرة تحرم المبتعثين من تعلم اللغة من منبعها الأصلي. - هناك بلدان يبتعث لها لغتها غير الإنجليزية، فهل ستكون مدارس لكل لغة؟ - لا يوجد لدينا كفاءة داخلية لإدارة مثل هذه المؤسسة والدليل فشل السنة التحضيرية في جل جامعاتنا. - الإعداد التي نبتعثها ستكون قليلة لا تستحق مثل هذه المدرسة. تلك الآراء المعارضة للفكرة، ولكن نلخص كذلك بعض إيجابيات الفكرة. - هناك هدر غير مالي في الوقت الراهن يتمثل في ضياع عام تقريبًا على المرشح للابتعاث سببها بيروقراطية الإجراءات وإعلان المرشحين وعقد الملتقيات وغيرها. المدرسة سيدخلها المرشح مباشرة، ولن يهدر سنة من وقته بسبب بيروقراطية الإجراءات. - حاليًا يجري تهيئة الطالب للبعثة عبر ملتقيات قصيرة، مكلفة ومكثفة موضوعاتها، بينما يمكن تحضيره خلال عام من خلال مدرسة البعثات ومن خلال برنامج أو منهج مدروس بطريقة علمية. - لن يخسر الطالب قضية تعلم اللغة في الخارج، حيث إن المدرسة ستساعده في اجتياز المراحل الأولى وتتيح له إكمال اللغة بالخارج. - يلاحظ أن من يسافر دون إجادة أساسيات اللغة يضطر إلى الاعتماد على من يجيد لغته، مما يعيق الاعتماد على النفس وربما الوقع في براثن سماسرة يستغلون حاجته للدعم بطريقة غير مناسبة. المدرسة ستؤهله لأن يكون قادرًا على الاعتماد على نفسه مع بداية وصوله مقر البعثة... - ستساعد المدرسة في اختيار الأفضل والأكثر جدية حيث سيتم فرز المتقدمين من خلال جديتهم ونجاحهم في برامجها. - ليس هناك خسارة لمن لا يجتاز معايير القبول بعد الدراسة في المدرسة حيث سيكون لديه مجال للالتحاق بإحدى الجامعات المحلية. - المدرسة قد تسهم في تقديم نموذج سنة تحضيرية متقدمة تستفيد منها الجامعات المحلية، سواء من مخرجاتها أو مناهجها وطرق تعليمها. وقد تصبح مؤسسة مستقلة تتنافس الجامعات المحلية والشركات لاستقطاب مخرجاتها، وليس فقط برنامج الابتعاث. - الجودة أمر مهم، لذلك يقترح ألا تحاصرها السعودة والبيروقراطية، وإنما يتاح لها الاستفادة من برامج عالمية بما في ذلك الجامعات التي نبتعث إليها. ويمكن الاستعانة بالجهات ذات الخبرة المتقدمة في هذا الشأن كشركة أرامكو وجامعة البترول وغيرها. بل أقترح أن تكون بكل من الجبيل وينبع حيث بيئة التعلم للغة ثانية بتلك المدن أفضل من سواها. - المدرسة يمكن أن تقتصر على اللغة الإنجليزية بحكم ضخامة الابتعاث للدول الناطقة بالإنجليزية، وليس هناك ما يمنع من إضافة لغة أخرى كالفرنسية، مثلاً. الخلاصة؛ مدرسة تحضير البعثات فكرة نطرحها للدراسة والنقاش، كأحد الأفكار المطروحة لتطوير برنامج الابتعاث. ربما تكون إحدى مسؤوليات هيئة البعثات التي سبق وأن اقترحتها كهيئة مستقلة، عن وزارة التعليم، معنية ببرامج الابتعاث والتبادل المعرفي محليًا وخارجيًا.
مشاركة :