تتفاوت أعمار الأطفال، نسبيا، داخل كل فصل دراسي وعادة لا تتجاوز هذه الفوارق بضعة أشهر. لكن العلم أثبت أن هذه الأشهر القليلة كفيلة بأن تتسبب للبعض في العديد من الأمراض النفسية والعقلية. لندن- تشير دراسة أجريت في المملكة المتحدة إلى أن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن معظم زملائهم في الدراسة قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بإعاقات التعلم والاكتئاب واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، مقارنة بالطلاب الأكبر سنا في الصف. فحص الباحثون بيانات مستمدة من التسجيل في المدارس والسجلات الصحية الإلكترونية لأكثر من مليون طالب تتراوح أعمارهم بين 4 سنوات و15 سنة. ثم قاموا بحساب أعمار الأطفال بالنسبة إلى زملائهم في الفصل بناء على تاريخ ميلادهم وتاريخ الالتحاق بالفصل في المدارس القريبة من المساكن والأحياء التي يعيشون فيها. توصلت الدراسة إلى أن الطلاب الأصغر سنا، والذين يحتفلون بأعياد ميلادهم في تواريخ أقل بـ3 أشهر من تاريخ التسجيل في المدرسة، بدوا أكثر استعدادا بنسبة تقدر بـ30 بالمئة للإصابة بإعاقة ذهنية أو اكتئاب أو اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، مقارنة بالطلاب الأكبر سنا في الفصل ذاته. وقال جيرمي براون، الذي شارك في الدراسة وهو باحث من جامعة: لندن سكول أوف هايجين أند تروبيكل مديسين، “لم نكن نبحث عن تحديد أسباب هذه العلاقة، خلال دراستنا، وهناك حاجة إلى المزيد من البحث في الأسباب، لكن هناك عددا من الأسباب المحتملة (لحدوث ذلك)”. وأوضح براون عبر البريد الإلكتروني لرويترز “قد يجد الأطفال الأصغر سنا صعوبة في التركيز في الفصل، ما يؤدي إلى زيادة تشخيص فرط النشاط”. وتابع “يمكن أن تؤدي مشكلة مثل المستوى الدراسي المتدني أو العلاقات الهشة بين الأقران إلى مشكلات في الصحة العقلية”. خلال الدراسة، قام الباحثون بتقسيم طلاب كل فصل إلى 4 مجموعات، من الأكبر إلى الأصغر سنا. الطلاب الأكبر سنا كانت تواريخ أعياد ميلادهم خلال الثلاثة أشهر الأولى لقبولهم بالمدرسة. بينما كانت تواريخ أعياد ميلاد الطلبة الأصغر سنا خلال الثلاثة أشهر الأخيرة قبل نهاية موعد التسجيل بالمدرسة. وقال براون “إن حوالي 800 ألف طفل يذهبون إلى المدارس الابتدائية في المملكة المتحدة كل عام”. وأضاف أن تشخيص الإعاقة الذهنية والاكتئاب ونقص الانتباه وفرط الحركة نادر نسبيا. كما أفاد باحثون في دورية “جاما بيدايتريكس” بأن الأطفال الأصغر سنا كانوا أكثر عرضة بنسبة 30 بالمئة للإعاقة الذهنية من الأطفال الأكبر سنا. وفسر براون أن هذا يترجم تشخيص حوالي 2100 من الطلاب الأصغر سنا بالإعاقة الذهنية كل عام، مقارنة بحوالي 1600 من الطلبة الأكبر سنا. وقد تم تشخيص اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بنسبة تقدر بـ36 بالمئة لدى الأطفال الأصغر سنا (أي حوالي 4700 طفل) مقارنة بمن يكبرونهم في السن (3500 طالب)، كل عام. وكان الأطفال الأصغر سنا أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بنسبة 31 بالمئة أي حوالي 2200 طالب، مقارنة بـ1700 طالب أكبر سنا، كل عام. كما أشار براون إلى أن الدراسة لم تُصمم لإثبات كيف أو ما إذا كان يمكن أن تكون لاختلاف السن بين الطلبة علاقة بالإصابة بالإعاقات العقلية أو الاكتئاب أو اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. وأكد أنه في كل الأحوال دائما سيكون هناك بكل فصل من هو الأصغر ومن هو الأكبر سنا. ولفت إلى ضرورة أن يكون هناك “المزيد من البحوث للتدخل والعمل على تقليل تأثير السن طوال السنة الدراسية”. وأردف “زيادة الاعتراف بالمشكلة من قبل المعلمين والأطباء والأولياء قد تكون مفيدة. وقد يكون الدعم الإضافي للأطفال، مثل توفير خدمات للصحة العقلية، ذا قيمة. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون من المفيد إجراء بعض التعديلات لتأجيل التحاق الأطفال الصغار نسبيا بالمدرسة”. يذكر أن اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط أو قصور الانتباه وفرط الحركة هو اضطراب نفسي يبدأ في مرحلة الطفولة عند الإنسان. ويتشكل المرض في مجموعة من التصرفات تجعل الطفل غير قادر على اتباع الأوامر أو على السيطرة على تصرفاته، أو أنه يجد صعوبة بالغة في الانتباه للقوانين وبذلك هو في حالة انشغال دائم بالأشياء الصغيرة. المصابون بهذه الحالة يواجهون صعوبة في الاندماج في صفوف المدارس والتعلم من مدرسيهم، ولا يتقيدون بقوانين الفصل، مما يؤدي إلى تدهور الأداء المدرسي لدى هؤلاء الأطفال بسبب عدم قدرتهم على التركيز وليس لأنهم غير أذكياء، لذلك يعتقد أغلبية الناس أنهم مشاغبون بطبيعتهم. هذه الحالة تعدّ أكثر الحالات النفسية شيوعا في العالم، إذ يبلغ عدد المصابين بقصور الانتباه وفرط الحركة حوالي 5 بالمئة من مجموع شعوب العالم. والنسبة تزيد عن ذلك في الدول المتطورة (دول العالم الأول). هذه الإحصائيات جعلت بعض الباحثين يعتقدون أن تركيبة الدول المتطورة وأجواءها قد تكون سببا لحالة قصور الانتباه وفرط الحركة عند شعوبها. اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه من الإصابات التي تجعل الطفل غير قادر على اتباع الأوامر أو السيطرة على تصرفاته وبيّن موقع مايو كلينك الأميركي أن اكتئاب الأطفال أو المراهقين مشكلة نفسية خطيرة تسبب شعورا دائما بالحزن وفقدان الاهتمام بالأنشطة. فهي تؤثر في طريقة تفكير الطفل أو المراهق ومشاعره وسلوكه، ويمكن أن تتسبب في مشكلات عاطفية ووظيفية وجسدية. وعلى الرغم من إمكانية الإصابة بالاكتئاب في أي مرحلة عمرية، فإن الأعراض قد تختلف بين المراهقين والكبار. فقد يتسبب الضغط من الأقران والتوقعات الدراسية والتغيرات الجسدية في الكثير من التقلبات المزاجية لدى المراهقين. ولدى بعض المراهقين، لا يمكن اعتبار نوبات الإنهاك مجرد شعور مؤقت، بل هي أعراض اكتئاب. وتوصلت دراسة أسترالية سابقة إلى أن الأطفال في ما بين 6 و7 سنوات، وهو العمر الذي يبدأون فيه بالذهاب إلى المدرسة، يعاني 14 بالمئة منهم من مستويات عالية وملحوظة من المشكلات العاطفية، عادة ما تؤدي إلى أعراض اكتئاب وقلق وشكاوى جسدية مثل الصداع وسلوكيات انعزالية. وهناك ما يقرب من 1.5 مليون طفل ما بين 6 و7 سنوات يذهبون إلى المدرسة في أستراليا، هذا يعني أن نحو 200 ألف طفل يتعرضون نوعا ما لمشكلات عاطفية. هذه المشكلات تصبح أسوأ مع التقدم في الدراسة، فقد لاحظ الباحثون، بعد 3 سنوات عندما وصل هؤلاء الأطفال إلى 10 و11 سنة، ظهور نحو 60 ألف طفل آخرين يعانون من أعراض قلق واكتئاب. وقد حذّر تقرير مؤسسة تعداد التنمية السكانية المبكرة في أستراليا الصادر عام 2015 من أن هناك طفلا من كل 5 أطفال (نحو 22 بالمئة من الأطفال) يدخلون المدرسة وهم يعانون من مشكلة تنموية أو أكثر، ومن بينها: النضج العاطفي والتواصل والمهارات المعرفية مثل الذاكرة. استخدمت الدراسة بيانات من دراسة “لونغتودينال ستادي أو أسترايلين تشلدرين” التي كانت تتبع نمو 10 آلاف طفل وأسرهم منذ 2004 في مجموعتين، مجموعة منذ الميلاد ومجموعة في فترة رياض الأطفال، وتتكون كل مجموعة من 5 آلاف طفل مع أسرهم.
مشاركة :