الحكومة الإسرائيلية الجديدة.. سيناريوهات محتملة

  • 9/28/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

دخلت الانتخابات الإسرائيلية الـ«22»، التي تم إجراؤها يوم 17 سبتمبر، مرحلة جديدة من الفوضى السياسية قد تغير الخريطة بشكل كامل؛ حيث لم تشر النتائج المتقاربة لثاني انتخابات يصوت فيها الإسرائيليون في نصف عام إلى مَن سيشكل الحكومة، الليكود أم حزب أزرق وأبيض، غير أن الشيء الوحيد المؤكد هو أن الناخبين العرب داخل إسرائيل أدوا دورا حاسما في إضعاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وحققوا نفوذا وتأثيرا لأول مرة في تاريخ البلد. وكما هو الحال في انتخابات أبريل العام الماضي، فإن بنيامين نتنياهو، زعيم حزب الليكود، ومنافسه رئيس الأركان السابق، «بيني غانتز»، زعيم تحالف أزرق وأبيض، قد حصلا على 31 و33 مقعدًا في الكنيست على التوالي؛ وهي أقل بكثير من أغلبية الـ61 مقعدا اللازمة لتشكيل أعضاء الحكومة الإسرائيلية، وخسر كلاهما مقاعد لأحزاب أخرى أصغر وأقل شعبية منهما، بعد أن حصل كل منها على 35 مقعدًا في آخر انتخابات. ولتعزيز موقفه الانتخابي ودعمه، بعد أن تراجع مؤخرا بشكل واضح في استطلاعات الرأي، وزيادة استقطاب ناخبي اليمين، قاد نتنياهو حملته الانتخابية محاولا ترهيب الناخبين العرب وإبعادهم عن صناديق الاقتراع، إلا أن هذه السياسات انعكست سلبا عليه، فقد زاد إقبالهم على الانتخابات، وحفزّتهم حملاته المتتالية المتصاعدة عليهم منذ 1996 على الانتقال من الدفاع والانكفاء إلى الهجوم والمشاركة في حرمانه من تشكيل حكومة يمين متطرفة وربما إسقاطه. وحصلت القائمة المشتركة التي تمثل أربعة أحزاب عربية على 12 مقعدا، ما يجعلها الكتلة الثالثة في الكنيست، وهي نسبة أعلى من تلك التي توقعتها الاستطلاعات الانتخابية، والتي كانت كافية لمنع نتنياهو من تشكيل الحكومة. ويمثل الناخبون العرب نسبة20% من حجم السكان ووصلت نسبة مشاركتهم في هذه الانتخابات إلى60%، بارتفاع بنحو20% عن الانتخابات السابقة، كما زادت الأحزاب العربية من تمثيلها في الانتخابات الإسرائيلية بنسبة30%، الأمر الذي اعتبره بعض المحللين أنه «إنجاز تاريخي في حد ذاته، لا يمكن تجاهل الصوت العربي، فالرسالة واضحة، لقد أسقطنا نتنياهو». وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء يحافظ على دعم ثلاثة من الأحزاب اليمينية والدينية الأصغر حجمًا، إلا أنه لا يزال من غير المؤكد أن هذا سيكون كافيًا لنجاحه بتشكيل حكومة أخرى. ووفق تحليلات الكثير من المراقبين، فإن هذا السبب كان وراء إلغاء رحلته إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لتعزيز مساعيه للحصول على أحزاب أخرى ضمن ائتلافه المقبل. وفي الوقت الحالي، تواجه إسرائيل حالة من عدم اليقين السياسي بشأن مستقبل حكومتها القادمة، في ظل وجود عدد من النتائج المحتملة لهذه الانتخابات، وفي ضوء ذلك اجتمع نتنياهو يوم23/9 للمرة الأولى منذ الانتخابات، مع «غانتز»، بدعوة من الرئيس الإسرائيلي رؤوبين ريفلين، وجاءت هذه الدعوة بعد استكمال الأخير المشاورات مع الأحزاب الفائزة في الانتخابات، والتي أسفرت عن توصيات من 55 من أعضاء الكنيست بتكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة، في حين أوصى 54 بتكليف غانتز. وكانت القائمة المشتركة قد أيدت «غانتز» لتشكيل الحكومة، مما يمنح أنصاره تفوقا على أنصار رئيس الوزراء نتنياهو، لكن أيًّا منهما لم يحصل بعد على الأغلبية. وكان من المتوقع أن يحصل زعيم حزب أزرق أبيض على أكبر عدد من التوصيات لولا رفض بعض أعضاء الكنيست العرب الآخرين التوصية له. واعُتبرت التوصية العربية قرارا تاريخيا، حيث إنها الخطوة الأولى من نوعها منذ عام 1992، حين أتاح دعم خمسة نواب عرب لإسحاق رابين الحصول على الغالبية قبل اتفاقات أوسلو. وبشأن توصية «المشتركة» بغانتز، نقلت صحيفة «التايمز» عن مسؤولين في القائمة أنه «سيتم صياغة وثيقة مطالب رسمية لتقديمها إلى حزب «أزرق أبيض»، كشرط لتوصية ريفلين بتكليف غانتز بتشكيل الحكومة». وبحسب التوقعات، لن يكون بمقدور أي من نتنياهو أو غانتز تشكيل ائتلاف يتمتع بأغلبية من دون دعم من حزب إسرائيل بيتنا، الذي دعا زعيمه «ليبرمان» إلى حكومة وحدة «واسعة وليبرالية». والمعروف أن رئيس الدولة هو صاحب القرار الوحيد بتكليف من يقوم بتشكيل الحكومة.. وإذا فشل المكلف الأول المنوط به تشكيل حكومة بالمهمة، حتى مهلة 4 أسابيع تنتهي في الـ23 من أكتوبر المقبل، سيتعين على ريفلين تمديد الفترة الممنوحة له لتشكيل حكومة ائتلافية جديدة. وعند فشله يحق له إجراء مشاورات أخرى لتكليف شخص آخر بتشكيل الحكومة. وكان رئيس القائمة العربية، «أيمن عودة»، قد قال تعقيبا على نتائج الانتخابات: «نجحنا بجدارة في منع نتنياهو من تشكيل الحكومة، ونحن على استعداد لإخراج نتنياهو من المشهد السياسي». وفي مقاله بصحيفة «نيويورك تايمز»، قال: «لقد أشرنا سابقا إلى أن أحزاب يسار الوسط في إسرائيل إذا كانت تؤمن بأن للمواطنين الفلسطينيين العرب مكانا في هذه البلاد، فيجب عليها أن تقبل بوجود مكان لنا في سياساتها». مضيفا: «قرارنا بالتوصية لغانتز هو رسالة واضحة بأن المستقبل الوحيد لهذه البلاد هو مستقبل مشترك، وليس ثمة مستقبل مشترك من دون مشاركة كاملة ومتساوية للمواطنين الفلسطينيين العرب». وخلال مشاورات تشكيل الحكومة الإسرائيلية، صرح العضو العربي في الكنيست الإسرائيلي، أحمد الطيبي «بأن هدف القائمة هو تحقيق هدفين، هما تحقيق إنجازات للمجتمع العربي، وإسقاط نتنياهو». موضحًا أن للقائمة مطالب منها «دعم حقوق المجتمع العربي، وإلغاء قانون كامينتس، والإعلان عن خطة اقتصادية حقيقية لتطوير المجتمع العربي ووقف ما وصفه بالاقتحامات للمسجد الأقصى». ومع ذلك يبقى من المرجح أن حزب «الليكود» أو «أزرق وأبيض» سيشكلان حكومة وحدة وطنية. وكل منهما يدرك أن هذا بات أمرا مسلمًا به في الوقت الراهن، وقال «نتنياهو» بعد إعلان النتائج: «يجب علينا تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسته، يجب أن نعمل سويًا». وجاءت هذه الدعوة بعد إعلانه تشكيل كتلة أحزاب اليمين كجسم واحد، وأن تنضم إليه كتل أخرى وذلك في محاولة لسد الطريق على «غانتز»، ومنعه من تشكيل حكومة بالتعاون مع أحد شركاء نتنياهو في كتلة اليمين هذه. وشكك حزب «أزرق وأبيض»، في هذه الدعوة مؤكدا، أنها «ليست سوى مناورة لصنع ضجة إعلامية، وأن نتنياهو قرر الذهاب لجولة انتخابات ثالثة». وكان نتنياهو قد ألمح إلى احتمال التناوب بينه وبين «غانتز» على رئاسة الحكومة، مستشهدًا بحكومة الوحدة برئاسة شمعون بيريز وباسحاق شامير، عام 1986، قائلا: إن «بيريز اتفق هو وشامير على التعاون من أجل قيادة إسرائيل إلى شاطئ الأمان. وإذا لم يحدث حسم في هذه الانتخابات، فإني أدعوك، «بيني»، للعمل معا من أجل جلب إسرائيل إلى شاطئ الأمان». ومع ذلك، مازالت هناك حالة من الرفض للعمل مع نتنياهو من جانب كافة المشاركين المحتملين في تشكيل حكومة وحدة. ويمكن الجزم بأن «أفيجدور ليبرمان»، الخصم الجديد والحليف القديم لنتنياهو وزعيم حزب «إسرائيل بيتنا»، أصبح بالفعل الآن الوحيد القادر على تشكيل الائتلاف الحكومي الجديد. ويحاول «ليبرمان» فرض شروطه على حزب «الليكود»، و«أزرق أبيض»، وإن لم يرفض صراحةً التعاون مع نتنياهو لتشكيل حكومة، ولكنه استبعد الانضمام إلى ائتلاف يضم أي عنصر ينتمي إلى الأحزاب الدينية الأرثوذكسية المتطرفة. وبالنظر إلى تعويل نتنياهو الكلي على أحزاب أخرى مثل «اليمين الجديد» و«تكوما» و«البيت اليهودي» التي قد تجعله يسيطر على أكثر من 50 مقعدًا، فمن غير المرجح أن يتجنب دعمهم من أجل خلق نوع من المخاطرة مع ليبرمان. وعلى عكس ليبرمان، أعلن «غانتز»، موافقته على تشكيل حكومة وحدة وطنية فقط مع الليكود، إذا ما تمت الإطاحة بنتنياهو كزعيم له. وقال منتقدا بقاءه بالسلطة طوال عقد كامل: «سياسة الاستقطاب والعداء باتت وراءنا والوحدة والمصالحة أمامنا الآن». وبالنظر إلى ظهور حزب «أزرق وأبيض»، كأكبر فصيل في الكنيست، فإنه يتمتع بأكبر قدر من المرونة في إملاء شروطه لتشكيل أي حكومة وحدة وطنية. يقول «شالوم ليبنر»، من المجلس الأطلسي: «بالنظر إلى النتيجة الواضحة للتصويت، يمكن أن يكون مسؤولو الليكود هم الذين يتعين عليهم أن يقرروا ما إذا كانوا سيدافعون عن نتنياهو أو يحاولون إقالته من أجل إبرام صفقة مع غانتز». وتعد هذه النتيجة هي الأكثر ترجيحًا للانتخابات الإسرائيلية، نظرًا إلى التشابهات الآيديولوجية بين الليكود وحزب أزرق وأبيض، وحالة الاستياء الذي مازال يواجهها نتنياهو من داخل حزبه. وفي هذا الصدد، يقول «دانييل شابيرو»، السفير الأمريكي السابق في إسرائيل: «الشرط الذي قدمه حزب أزرق وأبيض يزيد من احتمالية إطاحة الليكود بنتنياهو والانضمام إلى حكومة وحدة مع الأول، وهذا هو السيناريو المحتمل، وأعتقد أن هذا هو الأرجح الآن». ومع ذلك، لا يزال البعض يشكك في أن هذه الانتخابات ستؤدي إلى تخلي نتنياهو عن السلطة. وتؤكد صحيفة «الغارديان»، أن «نتنياهو مقاتل يتقن النجاة من المصاعب، وشحذ إرادته للقتال من خلال وعيه بأن حريته تعتمد على بقائه في السلطة». يقول «جيرشوم غورنبرغ»، في صحيفة «واشنطن بوست»، «بالنسبة لنتنياهو، فإن ترك منصبه يعني فقدان أدوات السلطة التي استخدمها في محاولته لتجنب اتهامه ومحاكمته بالفساد». ومن أجل البقاء كرئيس للوزراء، قد يلجأ إلى اتباع أساليب غير دستورية، لتحصين نفسه من أي محاكمة قضائية، مثل الإفصاح عن تفاصيل «صفقة القرن»؛ والتي تعبر عن رؤية الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين، أو أن يقوم بضم الضفة الغربية، وهي الخطوة الجديرة بتعزيز الدعم له من الأحزاب الأخرى داخل الكنيست، أو حتى يلقى دعمًا من المواطنين الإسرائيليين وذلك في حالة الاضطرار إلى إجراء انتخابات أخرى. يؤكد «ليبنر»: إن «نتنياهو بفضل علاقته الوثيقة للغاية بترامب، وما يتمتع به من قدرة على التفاوض، سيناقش كافة هذه الأساليب مع الأخير، وسيراهن على هذه العلاقة في الأسابيع المقبلة». يبقى الخيار الأكثر تطرفًا، وهو التأكيد على وجود ما يسمى بـ«أزمة أمن قومي»، يمكن أن يستخدمها لتبرير الاستيلاء على السلطة. يقول «تشاك فريليتش»، من جامعة «هارفارد»: «قد يقوم نتنياهو باستخدام كافة صلاحياته وسلطاته بما في ذلك العسكرية منها لإنقاذ نفسه». وهذا ما تؤكده صحيفة «هآرتس»، التي حذرت من قيامه بتصعيد مقصود للأوضاع الأمنية بغية «افتراس كل الأوراق السياسية واستغلال هذا الوضع لتشكيل حكومة طوارئ وطنية برئاسته». وأظهرت التقارير الأخيرة، مدى قرب إسرائيل من شن حرب على قطاع غزة قبيل الانتخابات العامة مباشرة، ولكن نجح القادة العسكريون في إثنائه عما اعتبروه «قرارًا تحكمه دوافع سياسية». وفي كلتا الحالتين، سواء أكانت هناك حكومة برئاسة نتنياهو أو ائتلاف وطني من أي أحزاب أخرى، فمن غير المرجح أن يكون هناك تغيير في معظم السياسات بشكل جذري. فبصرف النظر عن تشكيل الحكومة النهائي، فإنها ستكون قوية بفضل تيارها اليميني المتشدد». وعلى الرغم من وجود بعض الاختلافات بين حزب «أزرق وأبيض»، و«الليكود»، فإنهم يتشاركون العديد من الآراء والمواقف الآيديولوجية بشأن قضايا الأمن القومي والسياسة الخارجية. ويرى العديد من المحللين، إن «غانتز»، «سيسير على طريق نتنياهو نفسه في تقوية تحالف إسرائيل مع الولايات المتحدة وتأمين حدوده ومواجهة إيران». ويظهر هذا بشكل خاص حينما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية. ويؤيد حزب «أزرق وأبيض» استمرار نمو المستوطنات والسيطرة على مساحة شاسعة من الضفة الغربية على طول نهر الأردن، وهي الفكرة التي يدعمها الليكود في الوقت ذاته. وعلى الرغم من أنه ينظر إلى «غانتز»، كشخصية أقل مدعاة للانقسام، إلا أنه قدم نفسه كمتشدد في مجال الأمن، فعندما تعهد نتنياهو بضم وادي الأردن، رد حزب «أزرق أبيض» بأن نتنياهو سرق الفكرة منهم، بهدف كسب الأصوات الانتخابية من الليكود فقط. وسواء كانت الحكومة المقبلة برئاسة نتنياهو أم لا، ستحتفظ بتقاربها الحالي مع إدارة ترامب. وعلى الرغم من أن نتنياهو جعل علاقته الشخصية الوثيقة مع الرئيس الأمريكي أساسية في حملته، إلا أنه من المشكوك فيه أن الإطاحة به ستضر بشكل كبير بالعلاقات الأمريكية الإسرائيلية، فإنه من سيكون رئيس الوزراء المقبل لإسرائيل ليس مشكلة للرئيس ترامب»، مضيفة: «كل ما منحه الرئيس الأمريكي لنتنياهو كان من أجل التباهي بقاعدته اليمينية المؤيدة لإسرائيل في واشنطن، بدلا من مساعدته في الانتخابات. وهذا يعني أن ترامب من المرجح أن يستمر في إغراق إسرائيل بالعطايا والهبات لخدمة نفسه، بغض النظر عمن سيقود البلاد». على العموم، رغم أنه من السابق لأوانه التنبؤ بشكل نهائي بنتيجة الانتخابات الإسرائيلية، إلا أن التغيير الحقيقي في إسرائيل لا يزال أمرًا بعيد المنال.. وبغض النظر عن الائتلاف الذي قد يخرج منتصرا، فلن تتغير السياسة الخارجية والأمنية الإسرائيلية، حيث لا يوجد هناك فروق آيديولوجية بين حزب الليكود والأحزاب الأخرى الرئيسية؛ مما يعني أن إرث نتنياهو اليميني سوف يبقى سواء ظل بمنصبه أو رحل عنه.

مشاركة :