محمد إبراهيم المهام الإدارية.. أعباء متجددة تشتت طاقات المعلمين وتثقل كواهلهم، وتعوق وفاءهم بمسؤولياتهم التدريسية، مما يؤثر سلباً في الطلبة وجودة المخرجات. عدد من المعلمين في مختلف مدارس الدولة، أجمعوا على أن هذه النوعية من المهام، باتت تمثل ضغوطاً وأعباءً تؤثر في أدائهم الوظيفي، وتعاطيهم مع أسرهم وممارسة حياتهم الطبيعية. تعددت وجهات نظر المعلمين في رؤية تلك الأعباء؛ إذ جاءت تضم «إدارة الأداء، وتقارير الرقابة، وأخرى تحاكي المناوبات التي تؤرق المعلم يومياً، وثالثة تضم الزحف التكنولوجي في التعليم وسباق التطور وتنمية المهارات من أجل حسم صراع البقاء، وإدخال البيانات، ومتابعة الطابور»، جميعها مهام خارج نطاق غرف الدرس، ولا علاقة لها برسالة المعلم في بناء الأجيال وتأهيلهم للمستقبل. في لقاءات متفرقة ل«الخليج» مع بعض المعلمين حددوا المهام والأعباء الإدارية التي تعوق مسؤولياتهم، وأبرز مطالباتهم لمعالجة الخلل: مناوبات يومية في البداية أكد المعلمون «إبراهيم القباني، ومحمد زهران، وحسين.ع، منى.ح، وليلى.ج، م.حاتم»، أن مهام الإشراف الإداري والمناوبات اليومية والدورات التدريبية، تؤثر سلباً في أدائهم، وقدراتهم على الانتهاء من المناهج المقررة وتدريب الطلبة وإعدادهم للامتحانات، سواء كانت قصيرة أو فصلية.وأضافوا أن بعض المدارس تسند إلى معلميها مهام إدخال البيانات وتسجيل الطلبة، ومتابعة حضور وانصراف المعلمين، فضلاً عن ضرورة تواجدهم في الفسحة والطابور الصباحي، جميعها مهام تبتعد بالمعلم عن رسالته الأساسية التي ترتكز على تعليم الأبناء ومتابعة تحصيلهم الدراسي، وعلاج مشاكلهم الدراسية، وإيجاد حلول جذرية لها. تطوير المهارات وأشار المعلمون «خالد علي، ومها حسين، وميثاء حمد، وعبدالله السيد»، إلى أن أكثر تحديات المعلم اليوم، تتلخص في كيفية المحافظة على تطوير مهاراته، وتعزيز خبراته المهنية، وحتمية مواكبة المتغيرات من أجل البقاء، في ظل الزحف التكنولوجي بقطاع التعليم، ورأوا أن التكنولوجيا تمثل منافساً قوياً لاستمرار المعلمين في العملية التعليمية، بعد نجاحها في أداء العديد من مهامهم. وطالبوا بحصر إنجازات المعلمين المتميزين سنوياً، واستعراضها أمام جميع العاملين في المجتمع التعليمي، الأمر الذي يخلق التنافسية المهنية، ويحث الجميع على بذل مزيد من الجهد للنهوض بمستواهم المهني والفني، وأداء واجباتهم على الوجه الأكمل. عشوائية التقييم المعلمات «سوسن صلاح، حليمة علي، وسوزان محمد» قُلْنَ إن ضيق الوقت وكثافة المادة العلمية لا يتيحان للمعلم تطبيق استراتيجيات التعلم الحديثة، وأكدن أنهما يعوقان إطلاق عنان الإبداع لرعاية وتنمية مهارات المتعلمين، وتزامن إعداد وتدريب المعلم على المبادرات وتفعيلها مع وقت تطبيقها على المتعلمين، فضلاً عن تعدد الأعباء الإدارية على المعلم، لعدم وجود المشرف في بعض المدارس، يؤثر سلباً في عطاء المعلم ويرهقه ويبعثر جهوده، والهم الأكبر لدينا يتمثل في عشوائية التقييم. وترى المعلمة وفاء الباشا أن نقص الكادر الإداري والفني، وارتفاع معدلات الحصص على المعلم، يسببان له إرهاقاً شديداً ينعكس على أدائه الوظيفي واستيعاب الطلبة، وملفات التقييم السبعة للمعلم التي تضيع وقته الضيِّق في الأساس، مما يؤثر سلباً في مخرجات التعليم وفي مستويات تحصيل الطلبة، وأطمح أن تُستبدل بالنظم الإدارية التي تمثل ضغوطاً شديدة على المعلم، نظم مرنة تساعدهم على أداء رسالتهم، فنظام إدارة الأداء مجهد جداً. قبل الدوام وبعهد تسند المدارس 10 مهام يومية للمعلمين، تضم الإشراف على الطلبة قبل الدوام وبعده، والإشراف على صفوف المعلمين المتغيبين، تقديم الدعم للطلبة الذين يخضعون لخطط علاجية، تحضير الدروس وتحديد وقت تصحيح واجبات الطلبة، حضور الاجتماعات المنظمة مع ذوي الطلبة، والمشاركة في أنشطة التعلّم المهنية، وتنفيذ المهام الإدارية الأخرى «المناوبات، والإذاعة، والبيانات والإشراف».في المقابل أفاد عدد من التربويين أن بعض المعلمين يلجأون إلى التحول إلى أعمال إدارية، كحيلة للهروب من المسؤوليات والضغوط والمهام التي تسند إليهم؛ حيث أصبحوا ينظرون إلى اليوم الدراسي على أنه يوم رتيب وثقيل يفتقر إلى التجديد، ولا يمنحهم فرصة الشعور بالاندماج الأسري وحياتهم الطبيعية، فأصبح الهروب للوظيفة الإدارية طوق نجاة للبعض في الميدان التربوي. غاية عيسى، اختصاصية في علم النفس، ترى الضغوط التي تفرض على المعلمين، تصعب عليهم أداء مهامهم التدريسية الأساسية، فضلاً عن تراجع قدراتهم الإنتاجية في تأهيل وإعداد الأجيال، موضحة أن تلك الأعباء تفرز عدداً من الآثار الإنسانية والاقتصادية، التي تؤثر في المناحي الحياتية للمعلمين. الإدارة والإشراف مهمتان لا يمكن إغفالهما في لقاء مع مديري المدارس والتربويين «رياض عبدالله، وخالد محمد، وعلاء مراد، ميادة فؤاد» أكدوا أن هناك عدة مهام إدارية وإشرافية يمارسها المعلم داخل المدرسة، تعتبر جزءاً من الحياة المدرسية اليومية، والتي لا يمكن إغفالها أو التغاضي عنها، ومن أهمها «الاصطفاف الصباحي»، الذي ينبغي أن يحضره المعلم ويعمل على حفظ النظام فيه، فضلاً عن اللجان المدرسية التي يشكلها مدير المدرسة لتنظيم سير العمل في توزيع بعض المهام التعليمية والإدارية على المعلمين، وإشراكهم في المجالس.وأوضحوا أن عمل المعلم في هذه اللجان جزء لا يتجزأ من مهامه؛ لذا ينبغي له ألا يتنصل منه، فهو تدريب على تحمل المهام الإدارية والإشرافية في المدرسة، إذ قد يتضمن هذا العمل احتكاكاً مع الطلاب أو أولياء الأمور، ولا شك أن إسهام المعلم في أعمال هذه اللجان يكسبه خبرات مهنية كبيرة.وأفادوا بأن أعمال الاختبارات تتطلب تشكيل لجان لسيرها؛ حيث تهتم هذه اللجان بمراقبة النظام داخل القاعات التي يختبر فيها الطلاب ومتابعة سير الاختبارات، ويشترك المعلم في تلك المهام، سواء أكان مراقباً للطلاب أثناء أداء الاختبار داخل قاعات الامتحان، أم مشاركاً في لجان سير الاختبارات التي تكون مهمتها تسليم واستلام دفاتر الامتحان، وكذا رصد الدرجات ومراجعتها وإخراج النتيجة النهائية لجميع الطلاب، وفي لجان لتدقيق كل ما يتعلق بهذه الاختبارات، ولا شك أن مشاركة المعلمين دورياً في هذه الأعمال جزء من مهامهم المهنية. تنظيم حركة الحافلات مهمة تفقد المعلم هيبته تقول المعلمة ريبال غسان العطا: «لا يجوز أن يكون المعلم داخل الفصل في الصباح، وفي نهاية اليوم الدراسي في ساحة يقوم بدور الإشراف على انطلاق الحافلات.. هذه مهمة تفقد المعلم هيبته أمام نفسه وأمام الطلاب»، وتساءلت كيف يمكن للمعلم أن يوجه الطلاب ويعدهم علمياً ويدربهم على الاختبارات في ظل هذا الوضع؟.. وأشارت إلى أن المهام الإدارية، سبب آخر يثقل كاهل المعلمين في الميدان. وتابعت، «المهام التدريسية ركيزة أساسية لعمل المعلم تحاكي في مضمونها المادة العلمية، وتهيئة الطالب وإعداده ومعالجة نقاط الضعف وتعزيز أوجه القوة لدى الطالب، هذه العملية تتطلب جهداً ووقتاً كبيرين، لاسيما في ظل التطوير الذي تشهده المناهج عاماً بعد الآخر». وانتقدت المعلمة أسيل أحمد الخطيب، غياب الضوابط التي تحكم عملية توزيع المهام الإدارية، وقالت، «إن بعض الإدارات المدرسية تفتقر إلى العدالة في توزيع المهام الإدارية على المعلمين، نظراً لعدم خضوعها إلى ضوابط تحكمها، وهنا تلعب المحسوبية والمحاباة دورهما». وأوضحت: هناك من يُسنَد إليه القليل من المهام الإدارية، والبعض الآخر يتم تحميله بأعباء كثيرة، ونوع ثالث لا تصل إليه تلك المهام من الأساس، مطالبة بوضع ضوابط وآليات نظم إسناد تلك المهام، وتضمن في محتواها النزاهة والشفافية والعدالة في التوزيع. وتطرقت معلمة اللغة العربية فاطمة السيد، إلى إشكالية أخرى تعوق عمل المعلمين في الميدان؛ إذ ترى أن أبرز تحديات المعلم تتبلور في افتقاده حيزاً كبيراً من احترامه أمام طلبة اليوم، نتيجة للقيود التي وضعتها اللوائح، ومنحت الطالب كافة الحقوق، ولم يعد الأمر مثل السابق، حيث كان للمعلم هيبته بين طلابه واحترامه حتى خارج أسوار المدرسة، وغياب العقوبات واللوائح الرادعة للطلبة، سواء كانت متعلقة بالسلوك أو الغيابات التي أدت إلى التقليل من هيبة المعلم، بالإضافة إلى معوقات الرواتب المتدنية والمزايا المفقودة، لاسيما المعلمين في المدارس الخاصة. وطالبت بتقليل ساعات عمل المرأة المتزوجة بدون تقليل راتبها؛ لتتمكن من العطاء في المدرسة والمنزل.. وقالت: «أرغب أن يُمنح للمعلم حافز يميزه ويقدر جهوده المبذولة لبناء أجيال المستقبل، ولو كان هذا الحافز يتمثل في تخصيص يوم رسمي يراه فيه المجتمع على منصة التتويج، ليعود مجدداً لمسيرة العطاء وتربية الأجيال بروح صافية وفكر يحاكي المستقبل».
مشاركة :