طارق الشناوي يكتب: المامبو سوداني والسينما سوداني

  • 9/29/2019
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

لم تكن أبدا مفاجأة، تتويج السينما السودانية بأهم جوائز المهرجان الدرامية (ستموت فى العشرين) أمجد أبوالعلاء، والتسجيلية (حديث عن الأشجار) صهيب قسم البارى.السينما تنتعش ليس فقط بأصحاب المواهب، ولكن قبل ذلك بالمناخ الذى يمنحها أوكسجين الحياة، وفى عالمنا العربى يرفعون فى مواجهة السينمائى ترسانة من المعوقات، فهو يبدو شخصية مرفوضة، يتوجسون خيفة من إبداعه، وعليه أن يثبت فى كل لقطة ولاءه للنظام.حضور فيلم سودانى داخل أو خارج الحدود أراه بمثابة معجزة، ورغم ذلك يتحدى السينمائى ليقول للعالم (نحن هنا)، قبل أن يستقطب مهرجان (الجونة) الفيلمين، الأول عرض فى (فينسيا) واقتنص (أسد المستقبل)، والثانى سبقه إلى (برلين) وحصل على جائزتى أفضل فيلم تسجيلى فى قسم (البانوراما) وجائزة الجمهور، تناولت قبل أيام (ستموت فى العشرين)، وهذه المرة نتوقف مع صهيب و(حديث عن الأشجار).من هم الأشجار؟ إنهم هؤلاء الكبار عشاق السينما، إبراهيم شداد ومنار الحلو وسليمان إبراهيم والطيب المهدى، السيناريو تمكن من إيجاد مساحة غير مباشرة لكنها مقننة ومحسوبة بدقة للحديث عن ثورة الشعب السودانى وتوقه المتجدد للحرية، بينما يحكى ظاهريا عن نادى السينما.الفيلم عن السينما وتاريخها هكذا من الممكن أن تتصفحه فى إطاره الخارجى، إلا أنه يتجاوز فى الحقيقة تلك القراءة السريعة، ليصبح فيلما عن توق السودان الحبيب للحرية.تبدأ الأحداث بالعودة نحو 30 عاما ولقطات للرئيس السودانى المخلوع البشير فى التليفزيون وهو يطمئن مواطنيه أن كل الأمور مستتبة، ثم ينتقل قبل نهاية الأحداث إلى بداية الثورة السودانية.السودان هو البلد الأقرب لمشاعرنا، كل ما هو سودانى فإن الوجه الآخر له أنه مصرى، وهكذا وعبر التاريخ، يشغل الشأن السودانى الوجدان المصرى.السودان هو السلة التى تمنح الطعام للعالم العربى، من فرط غنى وخصب أراضيها، لكنهم أرادوا له أن يمد يده، الفيلم يستعيد تاريخ سينمائى، وتاريخ وطن، من خلال أعمدة أو كما وصفهم المخرج أشجار السينما، يسعون لاستعادة ناديهم السينمائى القديم، الذى اغتاله الإهمال، وقبل ذلك موت ثقافة التعاطى مع الأفلام، ونظام يتمنى موت السينما.هم يكرهون الحرية ولهذا يناصبون السينما العداء، بذكاء التقط المخرج هؤلاء الحالمون وهم يمسكون بأيديهم المقشات ويصعدون على السلالم المتهالكة، كل منهم يحمل على كاهله أكثر من ستين عاما، لكنهم لم يفقدوا الأمل فى عودة السينما لمستحقيها، والوطن للشعب.تم التصوير فى عز غضب الشارع السودانى، فكان ينبغى أن يطرح الظرف الزمنى تفاصيله، من خلال مشاهد متناثرة، ولكن بجرعة محسوبة بدقة، الإطار الخارجى لا يتجاوز أرشيف السينما، بينما يُطل خلف (الكادر) كل المؤثرات السياسية والاقتصادية والدينية.دار العرض معادلا موضوعيا للوطن، وهكذا تُشكل المساحة الزمنية والمكانية الأكثر رسوخا، صيفية وفى الهواء الطلق، فهى بلا أبواب، مفتوحة للجميع، المعركة الأساسية لهؤلاء الكبار أن يستعيد الوجدان الشعبى الرغبة فى الذهاب للسينما، بعد أن تعالت مثل العديد من دولنا العربية أصوات التحريم.السينما هى النافذة التى نُطل من خلالها على الحرية، والرهان أن تهمس فيصل صوتك أقوى، هذا هو ما عبر عنه بإبداع المخرج صهيب قسم البارى (المامبو سودانى والسينما سودانى)!!.

مشاركة :