الأذن تعشق قبل العين.. دائما!

  • 9/30/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لكل أمة من الأمم صفات تجمعها، والعرب هذه الأمة العظيمة الواحدة ذات الرسالة الخالدة يجمعها «حب الكلام»، الأفعال لا تدوم كثيرا في ذاكرة العربي، لكنه يحفظ القصائد التي قيلت قبل ألف سنة، ويستطيع أن يناقش فيها ويتحدث عنها ألف سنة أخرى لو أوتي عمرا مثل عمر نوح. يمكن أن يسامحك العربي لو آذيته جسديا لكنه لن يغفر لك إهانته الكلامية، وكانت هذه الصفة مصدر رزق كثير من الشعراء الذين كانت تأتيهم الأعطيات والهبات طمعا في المديح وخوفا من الهجاء الذي هو في واقع الأمر ليس سوى كلام يقوله الشاعر. الزعيم الراحل جمال عبد الناصر أسر القلوب العربية من المحيط إلى الخليج، إنجازاته على الأرض لا تكاد ترى بالعين المجردة، ووصوله إلى السلطة كان بداية هزيمة عسكرية وثقافية واقتصادية واجتماعية، لكن هذا لا يهم، فقد كان متحدثا بارعا وخطيبا مفوها ويتكلم كثيرا ويوجه الكثير من الشتائم لأعداء «الأمة» وهذه مواصفات الزعيم الناجح في العالم العربي. صحيح أن الكاريزما وقوة الشخصية جاذبة في كل مكان حتى دون إنجاز حقيقي، لكنها في الوطن العربي ليست فقط طويلة العمر بل إنها لا تموت. لا زال عبد الناصر وصدام أيقونتين عربيتين للزعامة يحبهما العرب مع أنهما في واقع الأمر ليسا أكثر من أيقونتين للفشل والإجرام. الرئيس التركي مثال آخر، فشعبيته في العالم العربي أكثر منها في تركيا نفسها، لأنه ببساطة فهم كيف يفكر العرب، اشتم الصهاينة وافعل بعد ذلك ما بدا لك، حتى لو تعاونت معهم في كل شؤون الحياة، حتى لو حملت نتنياهو على ظهرك فستبقى رمزا للعزة في العيون العربية. الحوثيون يرددون الموت لأمريكا الموت لإسرائيل اللعنة على اليهود، لكنهم يقتلون اليمنيين المسلمين العرب الأقحاح، ومع ذلك يجدون تعاطفا من بعض الشعوب العربية لأن المهم هو ماذا يقولون لا ماذا يفعلون. الإخوة الأشقاء في قطر الحبيبة فهموا مبكرا اللعبة وأرادوا زعيما بهذه المواصفات يقود العالم العربي، لكن المشكلة أنه لا يمكن خلقه من العدم، ولا حجم الدولة ولا مكانتها ولا تركيبتها السكانية عوامل كافية لإنتاج زعيم بهذا الحجم. ولكنهم لم يعدموا الحيلة وفكروا بطريقة عملية تلائم هذا العصر، فاخترعوا قناة تلفزيونية تقوم مقام الزعيم الملهم والخطيب المفوه. والعالم العربي أرض مهيأة وخصبة للخطاب العاطفي، كثير من الدول تعاني من الاستبداد والفقر وانعدام الحريات والعدالة الاجتماعية، والعزف على هذه الأوتار سينتج عنه لحن يحبه الناس حتى لو كانت يد العازف ملطخة بالفساد والدماء. كانت اللعبة هي: قل للشعوب العربية ما يودون سماعه وافعل ما تريد فعله ولن يعترض عليك أحد، ولن ينظر إليك أحد بعين الشك حتى لو مارست كل الرذائل التي حوتها قواميس البشر. في هذه الأيام على سبيل المثال تستضيف الدوحة بطولة العالم لألعاب القوى، ويتواجد وفد دولة الاحتلال الصهيوني ضمن الوفود ويرفرف علمهم البغيض في سماء الدوحة، وهم أحرار في أن يستضيفوا حتى الشيطان شخصيا، لكن المشكلة التي لا يهتم لها العقل العربي أن خطابهم من خلال «الزعيم الفضائي» يرفض مثل هذا الفعل ويشنع عليه في كل مكان، وهذا يكفي بالطبع، فالمهم هو أن تشتم الصهاينة أما استضافتهم فأمر ثانوي لن يتوقف عنده أولئك المغرمون بالخطاب الشعبوي. وعلى أي حال.. اشتم إسرائيل وستكون اللسان العربي المبين الرافض للخيانة، حتى وشمعون بيريز يتجول في أروقة القناة التي تشتمه صباح مساء. وإن كنت لا تقيم أي نوع من العلاقات مع الصهاينة لكنك لسوء الحظ لا تحسن أو لا تحب الخطابات الثورية فأنت متهم بالعمالة والخيانة وعدو للمقاومين والمقاومات.

مشاركة :