عرض مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة في يومه قبل الأخير، عملين مسرحيين: الأول «صائد طيور الجحيم» من الفلكلور الياباني إخراج شعبان بن سبيت، والثاني «مأساة الحلاج» عن نص للشاعر المصري صلاح عبدالصبور، ونص «دماء على ستار الكعبة» للشاعر فاروق جويدة، وإخراج رامي مجدي. كما نظم المهرجان ملتقى فكرياً حول «البحث المسرحي» يعد السابع في هذه الدورة، وشارك في الملتقى الدكتور بوسلهام الضعيف من المغرب، والدكتور سيف الفرشيشي من تونس، والدكتور شريف صالح من مصر، وعقد الملتقى على ثلاث جلسات متتالية، أدار الجلسة الأولى الدكتور خليفة الهاجري من الكويت، والثانية الدكتورة لمى طيارة من سوريا، والجلسة الثالثة الدكتور إدريس الذهبي من سوريا. وتناول الملتقى أحدث الأبحاث العلمية التي قدمت في مجال المسرح في المعاهد والجامعات العربية المتخصصة. مأساة الحلاج يعد العرض المسرحي «مأساة الحلاج» عن نص لصلاح عبدالصبور، ونص «دماء على ستار الكعبة» للشاعر فاروق جويدة، وإخراج رامي مجدي، من أفضل العروض التي قدمها المهرجان في دورته الثامنة. وهذا المزج المبدع بين نصين من أكثر النصوص خصوبة وشعرية ورمزية، كان السر الحقيقي لظهور العمل بهذا المستوى الرفيع وفقاً لقواعد وشروط المسرح. كتب صلاح عبدالصبور «مأساة الحلاج» في عام 1964، وقد نجح في مخاطبة رموز الظلم بإسقاطاته الذكية، مستخدماً قصة المتصوف الشهير المنصور بن حسين الحلاج الذي عاش في زمن الحجاج بن يوسف الثقفي في عهد الدولة الأموية. عبقرية نص عبدالصبور أنه يوافق كل العصور، فكم حجاج في هذا الزمن، وكم حلاج يقع تحت وطأة الظلم والقهر يومياً، وكم هم الثكالى والمكروبين في أزمان ضاعت فيها نخوة الإنسان، فلم نعد نبصر سوى جوقة المطبلين والمهللين والمصفقين لعلية القوم. العرض جاء متكاملاً في كافة عناصره، اللغة قوية رصينة واضحة، الإضاءة غاية في الإبهار والروعة وتم توظيفها بشكلٍ محكم وغني، تحركات الممثلين في فضاء المسرح جاءت مدروسة ولم تكن عشوائية بل كان لكل خطوة وحركة ميزان يرتبها ترتيباً بديعاً. المخرج رامي مجدي الذي شارك في ست دورات سابقة لهذا المهرجان، نجح في أن يوصل صوت الحجاج المظلوم وصوت ابن زيدون وولادة بنت المستكفي، بسرده تفاصيل مأساة الحجاج وتوظيفه لرمزية دماء على ستار الكعبة، في أن يعري الظلم والقبح الأخلاقي في شتى صوره ورموزه في كل زمان ومكان. نال العرض إعجاب مشاهديه ونقاده، وصفق له الجميع، ربما لأن العرض لامس شغاف القلوب وما تعانيه من الهموم وتبعات الزمن القميء. طيور الجحيم وتم عرض مسرحية «صائد طيور الجحيم» للمخرج شعبان بن سبيت، وهي من الفلكلور الياباني، ومن تمثيل هاني عبيد الزعابي ونبيل محمد سالم وعبيد علي عبيد. وقال المخرج شعبان بن سبيت مختصراً خلاصة العرض في عبارة واحدة: «جميع الناس مذنبون، وأنا لست أشد ذنباً منهم». واستطرد: حاولت أن أنقل لكم تجربة فنية لشعب غني بالتجارب والمواقف، خاصة أن العالم العربي لا يعرف كثيراً عن المسرح الياباني، وكان علينا أن نتعلم الصبر والجلد في طرق أصبحت معتمة، ولابد لنا أن نسير عليها متوخين كل الحذر. يعد «صائد طيور الجحيم» من المسارح المعروفة في اليابان بمسرح الكابوكي، وهو مسرح شعبي يعتمد في الأداء على الغناء والحركة الدؤوبة في فضاء المسرح. وربما تكون جرعة الحزن والقلق والحيرة والاكتئاب قد غطت جزءاً كبيراً من العرض ما جعل الجمهور يشعر بنوع من الضجر، وقد يكون هذا متعمداً من قبل المخرج، بينما العرض بنصه مشوق يتناول رمزية التحدي وقهر الظروف عند الشعب الياباني الذي خرج مهزوماً في الحرب العالمية الثانية ليبني ذاته بذاته.
مشاركة :