إبراهيم مفتاح.. أديب سعودي يحيط به الماء من 4 جهات، مفتون بتفاصيل بيئته في جزيرة فرسان التابعة لمنطقة جازان (جنوب غربي المملكة) وعندما يتحدث عنها يلوح في عينيه بريق. كتب للأرض والإنسان، فيما شعره يقطر عذوبة ورواياته تستنطق الأسطورة، وأسلوبه يحاكي الحكمة والعلم. اختارته وزارة الإعلام تكريماً لمسيرته أن يسلم جائزة أفضل قصيدة وطنية، في حفل جوائز التميز الإعلامي لليوم الوطني الـ89 بحضور وزير الإعلام تركي الشبانة. "العربية.نت" التقت الشاعر إبراهيم مفتاح بهذه المناسبة، وقال والسعادة تبدو على ملامحه: "أقدر للمعنيين بهذه المناسبة لفتة اختيارهم لي، لأن ذلك أشعرني بوجودي الثقافي ومتابعة وتقدير ما قدمته في هذا المجال شعراً أو رواية أو حضوراً ثقافياً في أنشطة الجهات التي تهتم بالأعمال الثقافية". وأضاف مفتاح: "أبارك لوزارة الإعلام نجاح عملها الرائد الذي دعت إليه الكثير من المثقفين والمثقفات في اليوم الوطني لهذا الوطن وأقول للجميع كل يوم وطني وكل عام وأنتم بخير". وعن إحساس الشاعر بيوم الوطن رد مفتاح: "إن لم يتغن الشاعر بالوطن فمن الذي يتغنى به؟ فالشاعر يتجسد في مشاعر، وانتمائه صورة الوطن بكل جمالياتها المتعمقة في ذاته، وبمقدار هذه الامتدادات وتجذرها في داخله يكون انصهاره وذوبانه ورقة أحاسيسه وشعوره إذ هو يرى ما لا يراه الآخرون". لكن مفتاح يأخذ في "الاعتبار الفوارق التي فيما بين فئات الشعراء بحسب إبداعاتهم وقدراتهم الشعرية وصورهم التي ينعكس عليها عطاؤهم الشعري، كحالات عشق وولاء ووفاء للأرض التي نشأوا عليها ونشأت - هي- في وجدانهم على مدى مراحل أعمارهم حباً وولهاً وتداعيات ذكريات تغذي روح الشاعر بشحنات من التألق والإبداع". ثم أنشد وتجلى في هذه القصيدة: هذي المفاتن في عينيك تأتلق وفي رحابك هذا السحر والألق وفي ثراك من التاريخ أوسمة تـُلملم الشمس أعراساً وتنطلق فأنت يا موطني ماض يُعانقه زهوُ البطولاتِ والإشراق والعبق وأنت في حاضر ٍ تكسوه أجنحة عُلوُّها من بياضِ الصبح ِ ينبثق يغازل الفجر في عينيك أغنية ويزدهي في سماك الليل والشفق ما مسّك الضر يوماً منذ أن هبطت فيك الرسالات بشرى زفها الأفق ولا سرى فيك طيف شارد أبداً أو ضاجع النوم في أجفانك الأرق دعني أقبل ظلاً فيك أنبتني وفي ترابك بالخدين ألتصق واضمم جناحيَ في دفء الحنان ضحىً وحين يهطل فيك الطلّ والغسق فأنت في مهجتي نبض وفي قلمي حبر وفي كل عام يزهر الورق فرسان وآهات الحنين وعن مدى تأثر الشاعر ببيئته وتجذر الأمكنة في داخله، علق مفتاح قائلاً "أنا ابن جزيرة فرسان، وأعتقد أن هذه الجزيرة قد استطاعت أن تكسر عزلة البحر، وأصبح الآخرون يعرفون أنها بحكم موقعها الجغرافي داخل البحر قد اكتسبت خصوصيات جعلت أهلها يختلفون في بعض نماذج حياتهم عمن سواهم، في عاداتهم وتقاليدهم ومواسمهم وموروثهم الشعبي، بل حتى في غنائهم وألحانهم ومناجاتهم لغائبيهم من فلذات أكبادهم في مجاهل البحر وأخطاره، بمعنى أن هذه الطبيعة قد أكسبتهم رهافة حس ورقة". واستشهد مفتاح "بآلام امرأة تناجي غائبها حين يشتد بها الحنين وتقصف بها رياح الشوق، عندما تكون في مطبخ منزلها أو في ساعة قيلولة حالمة تردد بشجن: والي بيادوه .. والي بسيدي درهت باثنين .. قمر ونجمين والي بيادوه.. والي بسيدي واعتبر الشاعر أنه "من هكذا ذوبان ومن هكذا انصهار كان تكويني الأدبي بصفة عامة سواء شعراً أو رواية، أو حتى تاريخاً سجلت في ثناياه هذه الانطباعات، وأزعم أن القارئ لا يكاد يقرأ نصاً من نصوصي إلا ويشم فيه رائحة البحر وعبق المواسم التي يتفرد بها أهل فرسان عن الآخرين". الشعر يفتقد زخم الثمانينيات وعن حضوره كمبدع في منطقة ولّادة للمبدعين قال "جازان منطقة لها من سعة مساحتها وتنوع تضاريسها بين بحر وسهل وجبل، أو بمعنى أدق زرقة بحر وخفقات أشرعة، وخضرة سهول، وشبّابة راع وثغاء شياه وقمم جبال تعتمر الغيوم، وتسكب وابل سمائها، وجريان أودية تمنح الأرض عطاءها وعبقها في روائح نباتاتها العطرية، وأشياء أخرى تعطي للحياة نكهتها، كل هذه العوامل تجعل من إنسان هذه المنطقة كائناً مشبوب العاطفة ثري الوجدان مرهف الإحساس". وفي معرض إجابته عن تساؤلنا عما إذا كان الشعر الفصيح لا يزال يمر بأفضل حالاته أم أن للحياة اليوم تأثيرها عليه قال مفتاح إن الشعر ما زال بخير في جازان، مستدلاً على ذلك بما يحققه أبناء المنطقة من جوائز شعرية، أما على المستوى العام ـ حسب ما يبدو له - فإن الشعر لم يعد له ذلك "الزخم" الذي كان في الثمانينيات، وهذا راجع إلى تسارع إيقاعات الحياة وضجتها في الوقت الحاضر، على حد وصفه. إبراهيم مفتاح في سطور إبراهيم عبدالله عمر مفتاح من مواليد 1939 في جزيرة فرسان. درس في الكتاتيب حتى فتحت المدرسة الابتدائية في فرسان وحصل على الشهادة عام 1956 ثم التحق بمعهد المعلمين في جازان وحصل على الشهادة عام 1959 وبعدها التحق بمركز الدراسات التكميلية في الطائف ونال شهادة الدبلوم عام 1967. ووثق الباحث محمد القشعمي سيرته ضمن" التاريخ الشفهي للمملكة". عمل إبراهيم مفتاح في سكرتارية تحرير مجلة الفيصل الثقافية بطلب من صديقه علوي الصافي الذي كان أول رئيس تحرير للمجلة ولكنه لم يستمر، ثم عاد وكيلاً لمدرسة فرسان المتوسطة والثانوية، ومشرفًا على الآثار بالمحافظة، وفي متحفه الشخصي الكثير من الآثار التي جمعها خلال 7 عقود من البحث والتوثيق لتاريخ وموروث الجزيرة التي استولت على كيانه. كما شارك مفتاح في إحياء أمسيات شعرية في أغلب الأندية الأدبية. ونال جائزة أبها للشعر الفصيح الثقافية لعام 1997، وجوائز أخرى، كما مثّل السعودية في مؤتمرات ومناسبات ثقافية خارجية عدة. وألف مفتاح عشرات الكتب ما بين دواوين شعرية وروايات وكتب معرفية وتاريخية واجتماعية.
مشاركة :