توافد بضعة آلاف من المتظاهرين بعد ظهر أمس، باتجاه ساحة التحرير في وسط بغداد، مواجهين رصاص القوات الأمنية المنتشرة بكثافة، في ثالث أيام الاحتجاجات الدامية، التي تطالب برحيل «الفاسدين» وتأمين فرص عمل للشباب، امتدت لتطول معظم المدن الجنوبية، وأسفرت حتى الآن عن مقتل نحو 30 شخصاً، بينهم شرطيان وإصابة المئات.ووصل المتظاهرون على متن شاحنات، حاملين أعلام العراق وأخرى دينية، ورددوا هتافات، بينها «بالروح بالدم نفديك يا عراق». وفي مواجهتهم، شكلت قوات مكافحة الشغب والجيش حلقات بشرية في محيط الوزارات، خصوصاً وزارة النفط. وأطلقت القوات الأمنية مجدداً، الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين رغم حظر التجول الذي دخل حيز التنفيذ فجراً، في حين أعلن المجلس الأعلى لمكافحة الفساد، تنحية ألف موظف متورط في قضايا الاختلاس وهدر المال العام. ومنذ الثلاثاء، امتد السخط الاجتماعي بسبب الاستياء حيال الفساد والبطالة وانعدام الخدمات العامة، إلى مدن الجنوب. ويبدو هذا الحراك حتى الساعة عفوياً، إذ لم يعلن أي حزب أو زعيم سياسي أو ديني دعمه له، في ما يعتبر سابقة. لكن ليل الأربعاء، قرر السيد مقتدى الصدر وضع ثقله في ميزان الاحتجاجات، داعياً أنصاره، إلى تنظيم «اعتصامات سلمية» و»إضراب عام»، ما أثار مخاوف من تضاعف التعبئة في الشارع. ويبدو أن الحكومة التي اتهمت «معتدين» و«مندسين» بالتسبب «عمداً بسقوط ضحايا بين المتظاهرين»، قد اتخذت خيار الحزم. ورأس رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي، أمس، اجتماعاً طارئاً لمجلس الأمن الوطني وأصدر أوامره بحظر التجوال في العاصمة العراقية وفي العديد من المحافظات الجنوبية. وفي بغداد، لا يسمح «حظر التجوال الشامل حتى إشعار آخر»، بوجود أحد في الشوارع غير المتجهين للمطار والقادمين منه وسيارات الإسعاف وبعض موظفي الحكومة وزوار الأماكن الدينية. وقررت السلطات التي أعادت في يونيو، افتتاح المنطقة الخضراء التي تضم المقار الحكومية والسفارة الأميركية، إعادة إغلاقها مساء الأربعاء. وعادة ما يتخذ المتظاهرون من المنطقة الخضراء، وجهة لهم لرمزيتها السياسية. وأعلن مجلس محافظة بغداد، أنّه قرّر تعطيل العمل في كلّ الدوائر التابعة له، الأمر الذي سيسمح لقوّات الأمن بتعزيز نفسها وتشديد قبضتها في مواجهة المتظاهرين. وفي أماكن أخرى من العاصمة وفي مدن عدة، يواصل المحتجون إغلاق الطرقات أو إشعال الإطارات أمام المباني الرسمية في النجف أو الناصرية أو الديوانية جنوباً.وقتل ستة اشخاص بالرصاص الحي، أمس، في مدينة الناصرية في جنوب العراق، في التظاهرة الأكثر دموية في ثالث أيام حركة الاحتجاج المطلبية، ما يرفع عدد قتلى محافظة ذي قار، إلى 17 منذ الثلاثاء، بينهم شرطي. وأشار عبدالحسين الجابري، مدير دائرة الصحة في محافظة ذي قار الجنوبية، وكبرى مدنها الناصرية، إلى إصابة 56 شخصاً في تظاهرات أمس. وقتل أربعة متظاهرين في مدينة العمارة، كبرى مدن محافظة ميسان (فرض فيها حظر التجول أيضاً)، إضافة إلى متظاهرين اثنين في بغداد وآخرين في الكوت (شرق)، و3 متظاهرين في الديوانية، فيما أصيب أكثر من 700 شخص بجروح في أنحاء البلاد. وطاولت التظاهرات، أيضاً، مدينة البصرة النفطية، حيث سقط ناشط وزوجته، برصاص مجهولين، فيما احرق محتجون، مساء الاربعاء، اطارات أمام مبنى الحكومة المحلية. وأعلنت شرطة النجف، حيث فرض حضر التجول، أن «اي متظاهر يعتدي على المال العام يعامل معاملة الارهابي». لكن رغم ذلك، لم تمتد التحركات إلى المحافظات الغربية والشمالية، خصوصاً المناطق السنية التي دمرتها الحرب ضد تنظيم «داعش»، وإقليم كردستان العراق الذي يتمتع بحكم ذاتي. ومنذ مساء الأربعاء، بدا صعباً الدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي. وسجل انقطاع واسع للإنترنت وصل أمس، الى نحو 75 في المئة، بحسب ما أفادت منظمة متخصصة.
مشاركة :