لقد صممت أهداف التنمية المستدامة كي تسهم في ضمان حصول الجميع على فرصة عادلة للازدهار، أيا من كانوا أو أينما كان موطنهم. وليس تحقيق هذا الوعد بالمهمة البسيطة. فهو يتطلب معالجة بعض التحديات الكبرى في عصرنا الحالي، بما في ذلك التهديد الوجودي الذي يمثله تغير المناخ. إنه مع العمل المناخي العاجل، فمع تحول آثار تغير المناخ إلى واقع ملموس أكثر من ذي قبل، بدأت هذه الآثار تغير شكل الحوار الدائر على مائدة المطبخ، وفيما بين الأجيال، وعلى المستوى العالمي. إن تغير المناخ قضية مؤثرة في الاقتصاد الكلي وتتطلب التعاون الدولي، قضية يشارك فيها «الصندوق» بعمق من خلال مشورته بشأن السياسات وعمله البحثي. وأولويتنا في هذا الصدد دعم البلدان في سعيها إلى تحقيق خفض حاد في استخدام الوقود الأحفوري حتى نتمكن من تخفيض الاحترار العالمي إلى مستوى يعد آمنا، أي أعلى من درجات الحرارة السائدة قبل الثورة الصناعية بدرجتين مئويتين أو أقل. "التعهدات الحالية لتخفيف آثار تغير المناخ بموجب اتفاق باريس أقل بكثير مما يتطلبه تحقيق هذا الهدف". ويعني هذا أن تتكاتف أيدي الجميع فيما يخص السياسات، بما في ذلك وضع قواعد تنظيمية أذكى، وتكثيف الاستثمار في الطاقة الخضراء، وإعادة النظر في سياسات المالية العامة. والمشكلة الأساسية ببساطة، هي أن الكربون رخيص للغاية. ففي ظل سعر الكربون العالمي المتوسط البالغ دولارين لكل طن من ثاني أكسيد الكربون، تحتاج الأسر والشركات إلى حافز أكبر لتخفيض استخدامها للطاقة والتحول إلى أنواع أنظف من الوقود. ولإبقاء الاحترار العالمي ضمن مستويات آمنة، يتعين رفع سعر الكربون بدرجة كبيرة ليصل إلى 75 دولارا للطن. وهناك استراتيجيات متنوعة يمكن أن تساعد العالم على بلوغ السعر الصحيح. لكن هل توجد استراتيجية واحدة بسيطة يرجح لها النجاح أكثر من غيرها؟ ويوضح بحث «الصندوق» الجديد ا"الراصد المالي" أن ضرائب الكربون هي أقوى الأدوات وأكثرها كفاءة، شريطة أن يتم تنفيذها بصورة عادلة ومؤاتية للنمو. والمفتاح هنا هو إعادة تجهيز النظام الضريبي بأدوات جديدة، وليس مجرد إضافة ضريبة جديدة. وإليكم مثالا جيدا في هذا الصدد: حين طبقت السويد ضريبة على الكربون عام 1991 حصلت الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط على تحويلات أكبر وتخفيضات ضريبية أعلى أسهمت في تعويضها عن ارتفاع تكاليف الطاقة. وهذا التحول في السياسة المتبعة كان فعالا في تخفيض انبعاثات الكربون في السويد بنسبة 25 في المائة منذ عام 1995 بينما حقق اقتصادها نموا بأكثر من 75 في المائة. واليوم سيرغب كثير من البلدان في قطع شوط أطول. لننظر إلى الإيرادات الكبيرة التي يمكن أن تدرها ضرائب الكربون التي تقدر بنحو 1 - 3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. ويمكن أن تمول هذه الإيرادات المساعدات المستهدفة والمطلوبة مقدما للأسر الأكثر تضررا من الآثار، وتدعم الشركات والاستثمارات في البنية التحتية للطاقة النظيفة وتقوم في نهاية المطاف بتمويل أهداف التنمية المستدامة. وعلينا أن ننتقل إلى الحديث عن دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويقودني هذا إلى الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية في أهداف التنمية المستدامة. فقد تم تصميم هذا الجزء من خطة 2030 للمساعدة على إيجاد عالم خال من الفقر والحرمان، عالم أكثر عدالة، ليس فقط للبلدان النامية، لكن للجميع. والخبر السار هو أن بإمكاننا البناء على التقدم المحرز: فعلى مدار العقود الثلاثة الماضية، انخفضت وفيات الأطفال إلى النصف؛ وتم انتشال أكثر من مليار نسمة من براثن الفقر المدقع. وتوضح هذه الإنجازات إلى أي مدى يمكن أن تكون الجهود التنموية قوية، خاصة في سياق الاندماج العالمي. لكن ما يتعين القيام به أكثر من ذلك بكثير. ويتطلب هذا بالنسبة لكثير من البلدان، زيادة كبيرة في الإنفاق لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. ففي مجالات أساسية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية ذات الأولوية تشير تقديراتنا إلى أن البلدان النامية ذات الدخل المنخفض ستحتاج إلى إنفاق إضافي كل عام يصل إلى نصف تريليون دولار عام 2030، أي نحو 15 في المائة من إجمالي ناتجها المحلي المجمع في 2030.
مشاركة :