الفن الروائي بين البناء السردي العربي والخيال الإبداعي الأجنبي

  • 10/5/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لست ممن يبحر كثيرا في عالم الروايات, ولكنني أزعم أنني قرأت قدْرا لابأس به منها في أعوامي القريبة، وخاصة ذات الصيت الذائع، والذي ظهر لي من خلال قراءتي، أن الفرق بين الروايات الأجنبية والرويات العربية لا يفترق كثيرا عن الفرق بينهما في عوالم السينما وصناعة الأفلام، فالبون شاسع, والغايات بينهما ليست بذات قرار قريب, فلا مقارنة بينهما حتى الآن, فالغرب يتفوقون بمراحل في إتقان العمل الروائي وتظهر موهبتهم الإبداعية بجلاء من خلال خيالهم الخلاَّق, وابتكاراتهم الإنتاجية وبعد مراميهم الإبداعية ونبلها، ربما، وذلك كله مع سبك بياني رصين وبناء سردي محكم وتقنيات أسلوبية تنسج بأفق أدبي رفيع، بينهما الإبداع العربي محدود خصوبة الخيال الإبداعي، فهو يأتي غالبا في صورة مستنسخة من الواقع بعينه مع تكنيك أسلوبي خاص يضفي عليها طابعا جديدا، وعادة ما يتكئون في جملهم الحكائية بسيرة وأحداث نسجت من وحي الحياة, وتظهر براعتهم نوعا ما في إيقاع البناء السردي التي تحمل قدرا من الشعرية والنغم الكلامي العذب, مع جرأة متفاوتة على الممنوع والمحرم, وهامش كبير مخصص في الحديث عن المسكوت عنه. إن العمل الروائي لدى الغرب فن أدبي خالص لا يتأتَّي إلا لصاحب ملكة إبداعية ظاهرة تُدخله في مقامات الإلهام لينسل في عوالم تكوينية جديدة لم يسبق لها الوجود في عالم الوجود, فينفث فيها المبدع من براعته وعبقريته وفلسفته ليظهر بعمل أدبي حالم يأخذك إلى فضاءات متماوجة متمازجة بالأحداث والشخوص والأزمنة والأمكنة المحبوكة بنفث من السحر, دون أن يفقدك الصلة بالغايات السامية أو الأهداف المرجوة لديه, فالروائي الأجنبي لديه قدرة على توظيف كل الاستطرادات والتفريعات الجانبية من الأحداث ويصبها في محيط الرسالة، ولا يجعلها تنفك عنها، بخلاف الروائي العربي الذي يغرق في التشعيب والتفريع بأحداث هامشية ويجعلك تتوه معه في الوصول إلى الغاية، وعادة ما يكون ساردا سيرة وصاحب خيال مرتبط بواقع حي، وفي الغالب تجده يعتمد في ربط المتلقي معه من خلال الكشف عن المستور أو التعلق بحدث مرتبط بالسيرة الخاصة، وهو ارتباط ليس له صلة من وجهة نظري بالإبداع المحض, وإنما ارتباط فطري بدافع الفضول وميول النفس في معرفة الخصوصية المحتجبة، وهذا فرق جوهري في تلقي الإبداع الروائي بين الغرب والعرب، وشيء آخر ربما, وهو الاعتماد على إثارة الغرائز بعيدا عن توظيفها توظيفا فنيا. إن رواية مثل رواية (ماركيز) مئة عام من العزلة, تجعلك في عالم مصنوع بنفث السحر والإلهام وهو يغزل مباني اللغة والأحداث بالخيال ويحلق بك في عوالم حالمة مركبة من التكوينات المألوفة وتبحر بك إلى عوالم الأفق البعيد واللاحدود, وبرغم امتلائها بوقائع الغرام وعلاقات الجنس والإثارة إلا أنها لا تهبط بك في دركات الإسفاف؛ لأنها وظفت لغاية أرقى من تحريك الغرائز وتهييجها باسم الفن والإبداع، بل إلى التنفير منها والتقييئ والتقزيز؛ وهنا يكمن الفرق في الإبداع المفتوح. بينما تجد الرواية العربية غالبا لا تنفك عن إنعاش المتلقي إلا من خلال إيقاعه في الممنوع أو كشف تلك العلاقات المخبوءة أو نسج خيوط الخيال وتعليقها بحمى الشهوة والتهييج والإثارة .!. والروائي الأجنبي لا يتعفف عن الاعتماد على الإثارة الغريزية طبعا، ولكنه لايعتمد عليها وحدها في نسج أحداثه وخياله وإبداعه، وربما تجد رواية أجنبية بلغت المجد الأدبي وحققت الخلود الإبداعي, وهي منسوجة من مبتدئها إلى منتهاها بخيال أبيض ناصع ولا مساس فيها بأدنى محذور كرواية جروج أورويل في «مزرعة الحيوانات». ** **

مشاركة :