د. محمدالسعيد إدريس تعتبر العلاقة بين النظام العربي والنظام الإقليمي شرق الأوسطي علاقة شائكة ومعقدة لها جذورها التاريخية ولها أسبابها الإقليمية والدولية، لكنها رغم ذلك لا تشكل استثناء في أنماط العلاقات بين النظم الإقليمية والنظم الإقليمية الفرعية المنبثقة عنها. فهذه الأنماط التفاعلية تتوقف على أوزان الدول الأعضاء في النظام الإقليمي الفرعي المنبثق عن النظام الإقليمي. فكلما كانت هذه الأوزان قوية كلما استطاع النظام الفرعي أن يتمتع بعلاقات استقلالية أو بعلاقات تأثير واعتماد متبادل مع النظام الإقليمي، تماماً كما هي العلاقة بين النظام الإقليمي وقيادة النظام العالمي. والعكس صحيح تماماً، فالعلاقة بين قيادة النظام العالمي والنظم الإقليمية إما أن تكون علاقة هيمنة من النظام العالمي على النظام الإقليمي وتبعية من النظام الإقليمي للنظام العالمي، وإما أن تكون هذه العلاقة هي علاقة تأثير واعتماد متبادل وهذا كله يختلف من نظام إقليمي إلى آخر حسب الدول المكونة لكل نظام ووزنها الاقتصادي والسياسي والعسكري وثقلها الجغرافي والتاريخي. المشكلة بالنسبة لعلاقة النظام العربي بنظام الشرق الأوسط هي خليط من هذا كله، هي أحياناً تكون علاقة اعتماد متبادل، وأحياناً تكون علاقة تبعية من النظام العربي لنظام الشرق الأوسط وعلاقة هيمنة من نظام الشرق الأوسط للنظام العربي. وفضلاً عن ذلك فإن النظام الإقليمي للشرق الأوسط يكاد يتفرد على معظم، وربما كل، أقاليم العالم، في أنه مفعم بالصراعات السياسية والعرقية والطائفية فضلاً عن أنه يتجه نحو العسكرة، وليس إلى الاعتماد المتبادل والتكامل الاقتصادي بين دوله. فإقليم الشرق الأوسط يكاد يكون الإقليم الوحيد في العالم الذي يشهد أعلى درجات العسكرة، وأخطر أنواع الحروب، ومعظم القواعد العسكرية. هذا يعني أن إقليم الشرق الأوسط وفي قلبه النظام العربي، كانت تجري عسكرته على حساب تفاعلاته التنموية والتكاملية، وتجري عولمته على حساب تحويله إلى كتلة أو جماعة اقتصادية سياسية قادرة على التفاعل الإيجابي مع المجتمع الدولي من المنطلق ذاته الذي أخذ يتعامل به النظام العالمي أي منطلق الأقاليم أو النظم الإقليمية، حيث باتت معظم تحالفات النظام تجري في معظمها مع الخارج أكثر منها مع الداخل ما يؤكد عمق الاختراق الخارجي للنظام من القوى الدولية الكبرى. هذه الخصائص هي التي تكشف أحد معالم العلاقة بين النظام العربي ونظام الشرق الأوسط، أو بوضوح أكثر هي التي تحدد مكانة النظام العربي داخل نظام الشرق الأوسط الأوسع. كانت هناك عوامل أساسية لتماسك النظام العربي وصموده أبرزها ما وفرته مصر من قدرات لهذا النظام، ودورها القائد وبالتحديد دور الزعامة الناصرية، ودور الأيديولوجية القومية، ولكن حدثت متغيرات وتطورات كثيرة بعد حرب عام 1967 منها تراجع الدور المصري وبروز أولوية جديدة لمصر هي تحرير الأرض المحتلة، ثم وفاة الرئيس جمال عبد الناصر. كل هذه التطورات أدت إلى إفقاد النظام العربي الكثير من عوامل التماسك والصمود خصوصاً بعد التداعيات التي هزت بنية هذا النظام أثناء وفي أعقاب ما عُرف ب حرب الخليج الثانية أو حرب تحرير الكويت من الاحتلال العراقي عام 1991. هذا الوضع الانقسامي للنظام العربي المقترن بافتقاد الفعالية سواء على مستوى القيام بالوظائف المنوطة به أو على مستوى مواجهة التحديات التي تواجه الأمة ازداد كارثية على ضوء بروز خريطة صراعات وتحالفات إقليمية جديدة في ظل استقطاب حاد لقلب النظام وتركزه في ثلاث قوى إقليمية أساسية هي إسرائيل وإيران وتركيا وتحول العرب إلى مجرد طرف في تفاعلات النظام شرق الأوسطي الأوسع الذي يكاد يبتلع النظام العربي داخل أسوأ أطوار تفككه وصراعاته الداخلية. إذا كان قلب النظام يتكون من هذه القوى الإقليمية الكبرى الثلاث فإن النظام العربي بدوله جميعاً، تحولوا، وفي السنوات الأخيرة إلى أطراف في نظام الشرق الأوسط في معظم الأحيان، رغم محاولات بعض أطراف النظام العربي، أو بالتحديد بعض القوى العربية الرئيسية (دول القلب: مصر والسعودية وسوريا) القيام بأدوار مشاركة في تفاعلات قلب النظام، ولذلك أخذت خريطة توازن القوى الإقليمية كما هي واضحة ومؤكدة تعبر عن حالة اشتباك بين مشروعات إقليمية ثلاثة هي: المشروع الصهيوني الإسرائيلي، والمشروع الإيراني الإسلامي (الشيعي)، والمشروع التركي- العثماني الجديد الذي مازال محكوماً بتفاعلات شديدة الخصوصية بين ما هو أتاتوركي وما هو عثماني جديد دون استقرار على صيغة لمشروع واضح ومحدد المعالم يحقق لتركيا طموحاتها في الاندماج بالاتحاد الأوروبي من ناحية ويحقق لها أيضاً نوازعها الشرقية بأبعادها الحضارية والتاريخية. التفاعل بين هذه المشروعات الثلاثة يؤثر بقوة في الأمن القومى العربي ويزيد الخيارات العربية تعقيداً، وبالذات بالنسبة للعلاقة مع إيران التي تثير انقساماً واضحاً في الإدراك السياسي العربي، بعضه ناتج من خصوصيات المشروع الإيراني وبعضه الآخر ناتج من تفاعلات هذا المشروع الإيراني مع كل من المشروعين الإسرائيلي والتركي، حيث يظهر التنافس قوياً بين إيران وإسرائيل على كسب تركيا ضمن الصراع الأهم بينهما على فرض السيطرة والهيمنة الإقليمية، والآن وفي ظل تداعيات تعثر موجة الثورات العربية وما نتج عنها من تداعيات سلبية شديدة الخطورة على الاستقرار السياسي والأمني في تلك الدول (نماذج سوريا وليبيا واليمن بصفة خاصة)، وفي ظل تمدد الموجة الإرهابية التكفيرية من العراق وسوريا إلى دول عربية عديدة بدأ النظام العربي يشهد موجة جديدة من الاستقطاب الإقليمي خصوصاً في ظل تورط القوى الإقليمية الثلاث: إسرائيل وإيران وتركيا في الصراعات العربية المتفجرة. إشكاليات معقدة تعرقل قدرة النظام العربي على استعادة تماسكه وعلى التفاعل الندي مع مشروعات القوى الإقليمية الثلاث التي باتت تتنافس وتتصارع على أرض العرب في تجاهل كامل لوجود نظام عربي بات يُعرف في أدبياتهم السياسية ب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
مشاركة :