السعادة.. هي الرضا!

  • 10/6/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ضل كثيرون طريقهم إلى السعادة، فمنهم من أعتقد أن السعادة في جمع المال، ومنهم من ظن أن السعادة في الجاه والمنصب، وبعضهم ظن أن السعادة في حلم يريد تحقيقه، فإذا تحقق عاد ليبحث عن حلم جديد ليحقق من خلاله السعادة، وتظل السعادة في حياته محطات سرعان ما يغادرها إذا وصل إليها، وليست حالة دائمة في حياته. وهناك من يرى السعادة في بذل شيء من المال إلى محتاج، أو إطعام جائع، أو كسوة عريان، أو عيادة مريض، أو في المسح على رأس يتيم اشتد شوقه إلى أبيه، وهكذا تختلف السعادة عند كل إنسان بحسب نظرته إلى الحياة والأحياء من حوله. إذًا، فالسعادة ليس لها وصفة سحرية بشرية تغنيك عن بقية الوصفات، ولم يتوصل البشر بعد إلى دواء جامع مانع يشفي الإنسان من مرض الشقاء، أما الإسلام فلديه من العلاجات لما يعتري الإنسان من أمراض ما يغنيه عن غيره، وهذا الدواء الذي يقدمه الإسلام إلى مرضى الشقاء لا يوجد إلا في صيدلية (الرحمن) لأنه من صنع العليم الخبير الحكيم سبحانه وتعالى. الله سبحانه هو الشافي المعافي الذي لا شفاء إلا شفاؤه، قال صلى الله عليه وسلم: [إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط] رواه الترمذي وقال: حديث حسن. إذًا، فالسعادة الحقة هي في الرضا.. الرضا عن الله تعالى فيما يجريه عليك من بلاء، والرضا عنه سبحانه فيما يعطيك من الجزاء، وهذه منزلة لا ينالها إلا الأنبياء والصالحون من عباده، ولقد حظي صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ورضي الله تعالى عنهم بهذه المنزلة العظيمة، وقال سبحانه وتعالى عنهم: «والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم» التوبة/100. ابتلاهم سبحانه وتعالى بشتى الابتلاءات فصبروا ورضوا واحتسبوا الأجر عنده سبحانه، فلما أنعم الله تعالى عليهم بالعطاء رضوا عن عطائه، فتسنموا ذرى المجد، وبلغوا الغاية التي كانوا يطمحون إليها، فتحققت لهم السعادة الكاملة حين شعروا بالرضا الكامل بشقيه: الرضا بالبلاء، والرضا عن العطاء. وحين يرضى العبد عن مولاه سبحانه وتعالى فيما يجريه عليه من بلاء، فهو دائمًا يرى العطاء في البلاء، ويرى في الشر خيرا، وصدق الله العظيم: «كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون» البقرة/216. ولأن الله تعالى يعلم ونحن لا نعلم، فهو سبحانه وتعالى يعلم أن مآلات الشر إلى خير، ومآلات الخير إلى شر، فيكون في منعه عطاء، وفي عطائه منع، ويكون مأجورًا في كلتا الحالتين، قال تعالى: «ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير» (الشورى/27). إذًا، فالمؤمن دائمًا يدعو فيقول: (الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه) وتفسير هذا الدعاء كامن في الآية التي تقدم ذكرها من سورة البقرة فيما يخص القتال. إذًا، فحين يسلم العبد أمره كله إلى خالقه سبحانه الخبير البصير، فإن الله تعالى يختار له ما يصلحه، وقد يأتيه الخير في صورة شر، فيستعجل ويحزن ويظن أن الله تعالى لم يستجب لدعائه حين لم يعطه ما سأل، وفاته أن إجابة الدعاء لها ثلاثة مراتب أدناها أن يعطيه مولاه سبحانه ما سأل من مال أو ولد أو منصب، أما أعلا من هذه المرتبة أن يكفر الله تعالى بهذا الدعاء الكثير من ذنوبه التي لا تكفرها العبادات، وأما أعلا هذه المراتب وأكثرها توفيقًا فهي أن يدخر الله تعالى لعبده هذا الدعاء إلى يوم القيامة، يوم لا بيع فيه ولا شراء ولا عمل يجني من ورائه العبد الحسنات. إن ما يراه العبد خيرًا في ظنه القاصر يكون عند الله تعالى شرا، وما يعتقد في فهمه المحدود أنه شر، فهو عند الله تعالى خير، وصدق الله العظيم:«ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا» (الإسراء/11). من هنا ندرك أن الإنسان السعيد حقًا هو الإنسان الراضي الذي يرى دائمًا النصف الملآن من الكأس، أما الإنسان الساخط فلا يرى إلا النصف الفارغ من الكأس، فإذا زاد منسوب الرضا عند العبد عن مولاه رأى الكأس كله ملآنا أما إذا زاد منسوب السخط عنده رأى الكأس كله فارغا. ومن صفات السعداء الملازمة لهم القناعة بالقليل وكأنه كثير، والعبد الذي يتصف بهذه الصفة ينظر دائمًا إلى ما بين يديه من نعم، ولا ينظر إلى ما بأيدي الناس، وعليه أن يزن أحواله بالميزان الدقيق الذي تركه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لنا، وهو أنه على العبد أن ينظر في الرخاء إلى من هم دونه وأما في البلاء فعليه أن ينظر إلى من هم فوقه فلا يزدري نعمة ربه عليه، عندها يشعر بالسعادة الدائمة، والرضا الكامل. ويكفي العبد فخرًا أن الله تعالى يستحي أن يطلب منه فوق ما كلفه الله تعالى من واجبات حين يضيق عليه في الرزق، فيكتفي منه بالفرائض، وأيضًا فإن الله تعالى حين يضيق على عبده في الرزق يعفيه من بعض الواجبات التي يشترط لها القدرة المالية والصحية وأمن الطريق كالزكاة والحج مثلاً، وقد يعفيه مؤقتًا أو دائما من أداء فريضة الصيام إذا كان من أصحاب الأعذار، ومعلوم أن الله تعالى إذا أعطى حاسب، وإذا سلب ما وهب أسقط ما وجب، وهذا من عدله ومن رحمته بعباده المؤمنين. وتبقى السعادة وإن تعددت مصادرها، واختلف الناس في وصفها، والجدل حولها, هي في الرضا بشقيه: الرضا بالبلاء، والرضا عن الجزاء, ليكون العبد من الذين قال الله عنهم في محكم التنزيل «والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم» (التوبة/100). نسال الله تعالى أن نكون منهم لنعيش سعداء في الدنيا والآخرة.

مشاركة :