تأييد الشرعية في اليمن لا مكان فيها للمراوغة.. وصالح سهل التغلغل الحوثي في حزب المؤتمر

  • 5/5/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يرأس الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح حزب المؤتمر الشعبي العام الذي تشكل في بداية عقد الثمانينيات، ولم تختلف بنيته عن ظاهرة «الحزب الحاكم» رغم أنه ليس كذلك، حيث عمل المخلوع على أن تكون بنية الحزب قائمة على تحالفات بين رجالات الجيش ورجال السلطة المحلية التقليدية وشيوخ قبائل وما يمكن تسميتهم الزعامات والأمراء المعليين ورأس المال، وكان صالح وعائلته هو الرابط الوحيد الذي تتشكل على أساسه هذه التحالفات وهو المتحكم بها، ولم يسمح بانتقال السلطة إلى مشروع بناء دولة، بل ظل هو من يتحكم بالدستور، وعمل على تكييف أجهزة الدولة وخصوصاً العسكرية والأمنية كأجهزة خاصة لحماية سلطته، واستطاع الجمع بين الجيش وأجهزة الامن العميقة وبين الزعامات المحلية مستخدما موارد الدولة في شراء الولاءات وسلم مراكزها القيادية لعصبته الخاصة مما أنتج سلطات محلية موالية له في كافة المحافظات، وظل يستقطب الرموز السياسية، بعد أن أحكم السيطرة على أجهزة الدولة وهيمن على البرلمان والسلطة المحلية والثروة لإحكام السيطرة الكاملة على الدولة بعد سيطرته الكاملة على الجيش والأمن. بعد الثورة الشعبية في 2011 م التي رفض فيها الشعب اليمني هذا الشكل السافر لسلطة انتهازية أحادية تقتات على آلام اليمنيين، وبعدما وصلت الأمور إلى طريق مسدود كاد ينذر بالكوارث وجاءت المبادرة الخليجية وتوفرت إمكانية حياة أخرى للعملية السياسية في البلاد عموماً، ولحزب المؤتمر الشعبي العام، ولصالح بوجه خاص، الذي تنكر لاحقا لكل هذا الإحسان من قبل دول الجوار. ظل صالح متمسكا بقرار الحزب وهو ما أسهم كثيرا في تفويت الفرصة على المؤتمر، وظل هو المتحكم فيه بحكم شبكة الهيمنة على القوة والثروة مما عطل دور المؤتمر وأعاق كليا أي تحول جاد في الحزب على كافة المستويات، كما أنه اصبح المرجع العام. ساهم المخلوع بشكل كبير في مساندة ودعم الانقلاب الحوثي على الشرعية في اليمن، وتقويض عملية السلام ومرجعياتها السياسية المتمثلة بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ولعب دوراً محورياً في تسليم اليمن لطموحات الهيمنة الإيرانية التوسعية عبر تشكيل تحالف بين حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه وبين جماعة الحوثيين، الذراع الايراني في اليمن، بعد أن تمكن من قمع وإزاحة أبرز قيادات التيار المعتدل في حزب المؤتمر، إذ قام صالح برئاسة اجتماع للجنة الدائمة لحزب المؤتمر في 8 نوفمبر من العام المنصرم قررت فيه اللجنة فصل عدد من القيادات المعتدلة في المؤتمر بالإضافة إلى الرئيس هادي الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس في الحزب فتم مثلا إزاحة الدكتور عبدالكريم الارياني وآخرين من القيادات التي كانت تعيق بناء تحالف بين المؤتمر وجماعة الحوثيين، وتم احتكار قرار الحزب في يد الرئيس المخلوع الذي يبدو أنه طور علاقاته مباشرة مع إيران عبر ضباط استخبارات ايرانيين كما تعترف قيادات حوثية. نجاح صالح في هزيمة الجناح المعتدل في حزب المؤتمر وإخراجه من دائرة القرار مكنه من تسليم أو تأجير قرار حزب المؤتمر للمعسكر الإيراني ووكيله المحلي المتمثل بجماعة الحوثي في مقابل السماح له بالعودة إلى الحكم، وإن لم يكن بشخصه فمن خلال أسرته وخاصة نجله الاكبر أحمد الذي كان يقود الحرس الجمهوري قبل أن يعزله الرئيس هادي، ضمن مشروع هيكلة الجيش التي اقترحتها المبادرة الخليجية ، ويعينه سفيراً لليمن في دولة الإمارات، غير ان أحمد علي ظل مسيطرا عملياً على قوات الحرس الجمهوري، فهو من أشرف على تأسيسها وعين قياداتها التابعين له، كما أكدت ذلك الاحداث التي تلت سقوط مدينة عمران ثم العاصمة صنعاء وعدن، حيث كشفت مشاركة الحرس الجمهوري في الانقلاب على الشرعية والعملية السياسية ومحاصرة الرئيس هادي وحكومته ، وقصف مقر إقامة هادي في عدن بعد تمكنه من الفرار من منزله المحاصر في صنعاء في 21 فبراير من العام الجاري، وسهلت للحوثيين مهمة استكمال السيطرة على المحافظات، وتقاسم مؤسسات الدولة العسكرية والامنية والمدنية ، مقابل استمرار خوض معارك السيطرة على المحافظات الجنوبية والشرقية الغنية بالنفط. يقول استاذ العلوم السياسي بجامعة صنعاء والخبير في الشؤون العربية نجيب غلاب ان « ممارسة السياسة بالانتقام دفعت صالح إلى ممارسة عملية تدمير واسعة لحزب المؤتمر الشعبي العام، وسهلت عملية التغلغل الحوثي على حساب مصادر القوة الاجتماعية والسياسية للمؤتمر، وأسهم ذلك في حوثنة جزءً كبيراً من المؤتمر وتحويله إلى مثابة ذراع سياسي للحركة الحوثية، ذات النزعة التدميرية، حيث وأنها لم تدخل مدينة أو قرية إلا وأدخلتها في صراعات عنيفة وخلقت انقسامات اجتماعية وخلفت ثارات وأحقاد». وأضاف غلاب «إن المؤتمر الشعبي العام أصبح رهينة لكتلة تتحكم بمساراته وتدفع به لتبرير الفوضى ونهاية الدولة، واصبح الكثير من أعضائه يشرعن لحكم المليشيات باعتبارها الخيار الذي لابد منه». وقال المحلل السياسي اليمني نبيل البيضاني «إن تقدم الحوثيين من دماج حتى مشارف صنعاء نجح بتسهيلات من قبائل وشيوخ في حزب المؤتمر، بتوجيهات من صالح، ساهموا في إسقاط المعسكرات والمواقع الأمنية بالخيانة والرشوة»، وفي ذات الوقت يضيف البيضاني «كانت إيران تربط علاقاتها الاستخبارية جيداً مع الحوثيين وتمدهم بالمال والتدريب والسلاح. وعند أسوار صنعاء تغيرت المعادلة ودخلت قوات الحرس الموالية للمخلوع في مواجهة صريحة بضرب الفرقة الأولى مدرع، التي أيدت الثورة الشبابية في العام 2011، فتمكنت مع الحوثيين من إسقاطها ومن ثم سقوط العاصمة والدولة». وأضاف البيضاني أن «ايران سبقت الجميع وأعلنت عن سقوط رابع عاصمة عربية في حلفها فأحس المخلوع صالح بأنه يمكن أن يعود للمشهد عبر اللعب على التناقضات والمصالح الدولية في اليمن ، ولذلك بدأ يسوق نفسه ونجله إقليمياً كبديل محتمل لهادي « وأشار البيضاني إلى أن» تمسك الخليج والمجتمع الدولي بالشرعية والرئيس هادي دفع بالرئيس المخلوع إلى تعزيز العمل على دمج قطاعات واسعة من المؤتمر بالحوثيين وفتح المجال أمامهم أكثر في تسهيل فرض سيطرتهم على مكامن الدولة الحكومية والأمنية مع احتفاظه بألوية الحرس والقوات الخاصة والاستخبارات»، وتابع مع عاصفة الحزم وجه المخلوع مع قيادات مؤتمرية جميع أعضاء المؤتمر بالتنسيق التام مع الحوثيين وأصبحت وحدات الجيش الموالية له والقبائل وشيوخ وأعيان وقطاعات المؤتمر جميعها تعمل باندماج تام مع الحوثيين بل تحولت أغلب مقرات المؤتمر في كلٍ من عدن وتعز ومأرب والبيضاء والضالع وابين إلى غرف عمليات لإدارة الحرب ضد المقاومة بالتنسيق مع أجهزة الاستخبارات والأمن الوطني والتي يقودها موالين للمخلوع صالح. من جانبه تساءل أستاذ العلوم السياسية نجيب غلاب «كيف تم ملشنة الجيش وكيف تمكنت الحوثية كذراع ايراني من اختطاف المؤسسة الأمنية والعسكرية؟ وما دور صالح ومافيا الفساد بكافة فصائلها؟ « وأوضح غلاب إلى ان «مشكلة صالح وجناحه المسيطر على قرار المؤتمر أنهم وقعوا في هاوية سقوط نسجتها ايران عبر الحوثية ونواتها الصلبة واذرع ايران الاخرى في المنطقة، لعبة محترفة مازالت قائمة « مشيراً إلى ان» مشكلة صالح أن تاريخه انتهى في مزبلة الملالي وأعظم من ذلك أن مشروعا عربيا كبيرا يؤسس اليوم وسيذكر التاريخ ان صالح الذي يتزعم حزب المؤتمر خان عروبته وتمكنت إيران من تجنيده بخطة متقنة لإضعاف مشروع العرب وسيكتب التاريخ ان العرب انتصرت في اليمن ونقلت اليمن الى التقدم والنمو وأن تدخلهم في اليمن كان بداية لتاريخ مختلف». اليوم لاتزال قيادات في المؤتمر تسعى إلى انقاذ المخلوع، ولم تعلن موقفا واضحا ومحددا منه برغم قرارات مجلس الأمن وعاصفة الحزم وعملية إعادة الامل وإعلان بعض قيادات الحزب التزامها بشرعية الرئيس عبدربه منصور هادي ومشاركتها في حوار الرياض، غير ان القيادات الموالية للمخلوع وهي تشكل الكتلة المسيطرة على قرار الحزب ، لا يزالون في أغلب المحافظات مجندين بأوامر صالح والحوثي، ويقودون الانساق العسكرية ويجندون المليشيات، وهذا الامر يتجلى بشكل واضح خاصة في المحافظات الجنوبية والشرقية والوسطى وصنعاء، حيث يفتقد الحوثي لوجود مؤيدين في هذه المناطق، ولم يتمكن من دخولها إلا من خلال تواجد حزب المؤتمر فيها. ويقول الباحث والمحلل السياسي علي الشريف إنه «لم يعد من المقبول اليوم التعامل مع الرئيس المخلوع كشريك سياسي بل كمجرم حرب يجب إخراجه من المعادلة السياسية بل ومحاكمته، لم تعد عودة المخلوع مقبولة، فقد منح فرصا أكثر من اللازم وأثبت بكل وضوح دمويته وتمسكه بالبقاء ولو على حساب اليمن والخليج وفق مبدأ «أنا أو الطوفان». وأضاف الشريف أن المخلوع «أصبح ضرراً، ليس على اليمن وحسب وإنما على الخليج ومصالح العالم، وأن على حزب المؤتمر أن يختار اليوم بين أن يولد جديدا أو أن يدفن مع المخلوع». وتأكيداً على أهمية ان تعمل القيادات المعتدلة في المؤتمر من أجل إنقاذ الحزب والمشاركة في الجهود اليمنية والعربية لخلق الاستقرار السياسي والاقتصادي لليمن ، يشير الشريف إلى أن «الاقليم والعالم والقوى الوطنية المساندة للشرعية عازمة على طي صفحة الرئيس المخلوع ومليشيات الحوثي»، مؤكدا إن صالح ورط حزب المؤتمر بشكل كبير في مساندة الحوثي وتمكينه من الجيش والسيطرة على المناطق والدفع بأنصاره للمشاركة في الحرب على المحافظات رافعا شعار الحوثي»، ونبه علي الشريف إلى أن «على حزب المؤتمر أن ينقذ نفسه وأن يكون مع خيارات اليمنيين ويقف إلى جانب الشرعية وأن يحدد موقفا واضحا من المخلوع صالح ومن الحوثي وإلا فإنه يجني على نفسه ويقضي على آخر الفرص أمامه ويضع نفسه في رهانات خاسرة». ويقول الأستاذ نجيب غلاب إن «القيادات المؤتمرية المعتدلة أمام خيارين، أن يكونوا جمهوريين وفي إطار المشروع العربي أو جهازا في الخلية الأمنية الإيرانية ومشروع الولاية الاصطفائية»، مشيراً إلى أن الشرعية في اليمن ومعها الخليج والعرب في مرحلة حاسمة لا يوجد فيها منطقة وسطى ولا مكان للمراوغة والمناورات.

مشاركة :