بعد نصر أكتوبر المجيد تسابق كل المطربين المصريين والعرب للتعبير عن فرحتهم بهذا النصر المظفر الذي أعاد للشعب العربي كرامته وعزته.وظهرت للنور مجموعة من أجمل الأغاني الوطنية.. من أبرزها"عاش اللي قال" قدم العندليب الأسمر الراحل عبد الحليم حافظ، أكثر من عمل للتعبير عن فرحته واعتزازه بهذا الحدث المجيد، وبالتالي قام بغناء أغنية "لفي البلاد يا صبية"، والتي لاقت نجاحا وانتشارا واسعا شجعه على أن يكرر التجربة ثانية.وبالفعل بحث عن كلمات مناسبة لهذا الحدث العظيم، حيث عثر على تلك الكلمات من خلال تفاعل الشاعر الشاب آنذاك محمد حمزة وكتابة كلمات أغنية "عاش اللي قال الكلمة بحكمة في الوقت المناسب عاش عاش".وجد حليم بحاسته الفنية أن هذه الكلمات تحتاج لألحان ذات مواصفات معينة وبالتالي أسند تلحينها إلى رفيق رحلة كفاحه الموسيقار بليغ حمدي، وبالفعل بدأ حمدي ينفعل بالكلمات وأخذ يدندن ويردد اللحن منفردا إلى أن استقر على المقطوعات الموسيقية التي أصبحت لحنا مميزا عمل على إزكاء الروح الوطنية لدى المستمع العربي لما فيه من نغمات عززت درجات الحماس لدى المستمع حتى وضع اللمسات الأخيرة للحن الذي حاز على إعجاب العندليب.وبدأت البروفات التي كانت تقام بمنزل حليم بالزمالك، وبدأت الصورة النهائية للأغنية تتضح وتظهر، حيث استعان بليغ حمدي بمجموعة من الكورال التي كانت ترافق حليم في معظم أغانيه والذين كان حليم يرتاح لأصواتهم والتزامهم.انتهت البروفات وفي الصورة النهائية التي جاءت عليها الأغنية، وهي أن يقوم حليم بغناء "عاش اللي قال عاش اللي قال الكلمة بحكمة في الوقت المناسب عاش عاش"، ليأتي صوت الكورال من خلفه مرددين "عاش السادات"، وعندما علم السادات بما سوف يتغنى به حليم منع إذاعة الأغنية لاعتراضه علي وجود اسمه فيها، وطلب من حليم إما حذف اسمه أو ذكر جميع زعماء العرب الذين شاركوا في مرحلة العبور، وبالفعل اضطر حليم للإذعان لرغبة الرئيس السادات، صاحب قرار العبور، وقام بالفعل بإعادة تسجيل الأغنية ولكن بدون أسماء."وأنا ع الربابة بغني" أصرت الفنانة وردة على أن تكون أول مطربة عربية تغني لانتصارات أكتوبر لسببين من وجهة نظرها، الأول فرحتها العارمة بهذا النصر الذي طال انتظاره وببطولات الجنود المصريين الذين أعادوا كرامة الشعب العربي، والسبب الآخر هو رد الجميل لمصر التي احتضنتها كمطربة وفتحت لها أبواب الشهرة والمجد.الأمر الذي جعلها تصر على رأيها في أن تكون أول صوت غنائي يجسد الفرحة لهذا النصر، فهي لا تريد أن يمر اليوم الثاني للنصر دون أن تكون قد انطلقت عبر الأثير، وأصرت على دخول مبنى ماسبيرو الذي كان محاصرا أمنيا وممنوع الاقتراب منه من أي شخص.وفي هذا يقول الإعلامي وجدي الحكيم، رئيس لجنة التراث باتحاد الإذاعة والتليفزيون آنذاك: "فوجئت بعد عبور قناة السويس بوجود بليغ حمدي بصحبة الفنانة وردة وعبد الرحيم منصور يريدون الدخول إلى مبنى ماسبيرو، إلا أن الأمن منعهم، ونشبت مشادات كلامية بين الطرفين وصلت لحد التشابك بالأيدي، وعندما علمت بذلك نزلت إليهم وقلت لهم مفيش فلوس لإنتاج أغاني، فرد عليا بليغ حمدي قائلا: ومفيش قوة في الأرض تمنعني من تقديم واجبي نحو بلادي ومستعد للتبرع بأجري بل ودفع كل مصروفات الفرقة من جيبي الخاص".وأضاف الحكيم: "وعندما علمت الفنانة وردة بعدم وجود ميزانية للغناء، تنازلت هي وكاتب الأغنية ورئيس الفرقة الموسيقية، حيث حاولوا تذليل أي معوقات من أجل الانتهاء من الأغنية".وعندما أبلغ الحكيم رئيس الإذاعة بابا شارو آنذاك، أمر بدخولهم وفتح الاستوديو لهم من أجل الأغنية وانتهوا منها في أقل من ساعتين بديكور من مسلسل المخرج نور الدمرداش، وبمجرد إذاعة الأغنية عبر أثير الإذاعة المصرية حققت نجاحا مدويا وأصبحت من أشهر أيقونات الاحتفال بيوم النصر المجيد بل وأصبح الجنود يرددونها على الجبهة."دولا مين"مع توافد المطربين والنجوم على مبنى ماسبيرو للمشاركة في الاحتفال بالنصر في حرب أكتوبر، كانت من ضمن هؤلاء الفنانين سندريلا الشاشة النجمة سعاد حسني.وعلى الرغم من أنها لم تصنف كمطربة تغني وتشدو في المناسبات الوطنية، إلا أن السندريلا حرصت على أن تكون ضمن هؤلاء المطربين الذين سارعوا بالتعبير عن فرحتهم بتحقيق النصر المظفر.ومن خلال هذا الشعور الوطني المتدفق، ذهبت سعاد حسني في صباح اليوم التالي لنصر أكتوبر لتعرض على رئيس الاذاعة آنذاك بابا شارو أن يسمح لها بالمشاركة في هذا العرس الغنائي بأغنية من كلمات الشاعر أحمد فؤاد نجم، وتلحين كمال الطويل، إلا أنه رفض طلبها.وقال الإعلامي وجدي الحكيم: "لقد كانت لدينا تعليمات بألا نذيع الأغاني بالقوة الضاربة، مثلما حدث في أعقاب النكسة، وبالتالي كان علينا أن نختار بعض هذه الأعمال الشهيرة وأن تذاع تدريجيا وفقا لجدول معين، وبالتالي عندما حضرت سعاد حسني بأغنيتها رفض رئيس الإذاعة وحاول إقناعها بأن هذه المرحلة لا تتناسب مع طبيعة أغانيها، إلا أنها أصرت بل وألحت إلحاحا شديدا، ما جعل رئيس الإذاعة يرضخ لإلحاحها حتى أنه اشترط سماع الأغنية أولا حتى اقتنع بها ووافق وأعطى تعليماته بتسجيلها وغنتها السندريلا".وأذيعت أغنية السندريلا عبر أثير جميع الإذاعات المحلية لتصل إلى آذان الجنود على الجبهة حتى غدت أغنية "دولا مين دولا مين دولا عساكر مصريين" من أهم الأغاني التي أذيعت في احتفالات نصر أكتوبر، التي كان لها وقع حماسي كبير على نفسية الجندي والعسكري المصري.
مشاركة :