بعد عشرين عاما من المشاركة في الحكومة، اختار نبيل بنعبدالله زعيم حزب التقدم والاشتراكية (يساري) الاصطفاف مع المعارضة، في استفاقة سياسة متأخرة فضل من خلالها النأي بالحزب عن تهم الفشل التي تلاحق الحكومة الحالية والانتقادات التي تطال أداءها قبيل تعديل حكومي وشيك. وقال نبيل بنعبدالله، لـ”العرب”، إن موقف حزبه من الحكومة ناتج عن اعتبارات ومآخذ سياسية، موجها انتقادات للأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي سعدالدين العثماني، الذي فضل عدم الرد على إشكالات سياسية عالقة حسب تعبيره. الأمر الذي حفزه على اتخاذ قرار المغادرة. وحسمت اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية الجمعة، لصالح قرار الخروج من الحكومة، بتصويت 241 عضوا فيما عارض القرار 34 عضوا، وامتنع ستة أعضاء. وكان المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية قرر الثلاثاء الماضي، الانسحاب من الحكومة. وبعد إعلان اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية عن قرار خروجه من الحكومة بأغلبية مريحة، احتج أناس الدكالي القيادي بالحزب ووزير الصحة، متهما برلمان الحزب بتزوير الإرادة السياسية من خلال تزوير الأصوات دون احتساب من رفض تقرير اللجنة. وأحدث قرار التقدم جدلا واسعا بين قادة الحزب الذين رصدت آراءهم “العرب”، فمنهم من اعتبره خطوة براغماتية مع اقتراب التعديل الحكومي، ومنهم من اعتبره قرارا متسرعا قد يغرق الحزب في براثن أزمة سياسية. خطوة براغماتية اعتبر مراقبون أن نبيل بنعبدالله رجل السياسة البراغماتي، دائما يوظف صيغة مصلحة الوطن ومصلحة الحزب حسب الظروف والسياقات لصالحه، مضيفين أنه السياسي اليساري الذي استعمل نفس الصيغة لتبرير الخروج والدخول إلى الحكومة، حيث أكد في العام 2012 أنه لو كان مؤسس الحزب الشيوعي علي يعتة حيا، لدافع عن تحالف حزبه مع الإسلاميين، والآن يدفع بنفس مبرر مصلحة الحزب عندما قرر الخروج من حكومة يرأسها العدالة والتنمية. فمن حكومة رأسها يساري في العام 1998 إلى حكومتين ترأسهما حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية، يبدو أن زعيم حزب التقدم والاشتراكية نبيل بنعبدالله فشل في إقناع سعدالدين العثماني بالإبقاء على القطاعات التي يشرف عليها، لهذا قرر مغادرة الحكومة قبيل التعديل الحكومي الوشيك. وهناك من اعتبر الحزب الشيوعي السابق ضحية تحالفه السياسي مع الإسلاميين فكانت النتيجة هذا الخروج المذل، وهو ما سيتسبب مستقبلا في تعميق الظرفية السياسية والتنظيمية الحرجة التي يمر بها هذا الحزب اليساري. وفي هذا الصدد بينت شرفات أفيلال، الوزيرة السابقة وعضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، أن “تحالف حزبها مع الإسلاميين أملته مصلحة البلاد ولم يكن تحالفاً إستراتيجيا”. ويعتقد المراقبون أن زعيم الحزب فطن متأخرا إلى أن الحكومة الحالية ”غير منسجمة”، ولهذا سارع بالخروج إلى صفوف المعارضة كخيار أمثل بالنسبة له.وتفسير قرار هذا التنظيم السياسي مبني على نقطتين أساسيتين، الأولى هي ما اعتبره خذلان حليفه العدالة والتنمية خصوصا مع مرحلة سعدالدين العثماني. والثانية، البناء على حسابات انتخابية وبحث الحزب عن زخم شعبي. وأكد سعيد فكاك، عضو المكتب السياسي للتقدم والاشتراكية، لـ”العرب” أنه غير مقتنع بضرورة الانسحاب من الحكومة، كون المبررات التي قدمت غير كافية، مشيرا إلى إمكانية تضرر الحزب انتخابيا. من جهتها أوضحت أفيلال، أن قرار الانسحاب “لم يكن اعتباطياً ولا وليد اللحظة بل نتيجة تراكم لنقاش دام أكثر من سنة ونصف (السنة)”. وعندما تبين أن حظوظهم لن تتعدى حقيبة واحدة آثر الأمين العام الخروج في اللحظات الأخيرة. ضربة للإسلاميينيعكس توقيت مغادرة الحزب للفريق الحكومي ضربا من الشعبوية لعبته قيادة حزب التقدم والاشتراكية في آخر أشواط تجربته الحكومية مع الإسلاميين،فعندما يصرح الحسين الوردي، وزير الصحة السابق، بقوله إن التحالف مع العدالة والتنمية، لم يكن أيديولوجيًّا استراتيجيّا، بل هو تحالف سياسي في ظرفية معينة، فهذا الإقرار بمثابة استفاقة سياسية متأخرة، كما ستلقي بظلالها سلبا على مستقبل حزب العدالة والتنمية السياسي. ويقول المحلل السياسي عمر الشرقاوي لـ”العرب” إن مغادرة التقدم والاشتراكية الحكومة سيكون لها تأثير سياسي، على حزب العدالة والتنمية الذي ستزيد عزلته داخل التحالف بغياب الرفاق، وسيجد نفسه محاطا بأحزاب لا تكن له أي ود، وسيفقد بذلك الحزب هوامش التحرك والمناورة والشعبوية. لكن بقرار الانسحاب من الحكومة يكون حزب التقدم والاشتراكية قد حكم على نفسه بالتموقع في صف المعارضة، وهي مهمة صعبة في هذه الظرفية. ورغم استسهال بعض القياديين داخل الحزب للمهمة إلا أن الكثير من الملاحظين يؤكدون أن التكيف مع الوضع الجديد سيحتاج إلى وقت طويل ما سيؤثر سلبا على الداعمين للحزب من الخارج وهم بعض الأعيان الذين يحتاجون إلى التواجد بالحكومة حفاظا على مصالحهم. ويتساءل مراقبون ماذا سيفيد حزب التقدم والاشتراكية الاصطفاف مع المعارضة فيما لا تزال تركته في الحكومة تشهد على ترهل وفشل واضح في إدارته لقطاع الماء على سبيل المثال، حيث تعيش قرى كثيرة أزمة مياه الشرب في حين ضيعات كبار الفلاحين وغيرهم تستهلك الماء دون رقيب أو حسيب؟ وعن الكيفية التي سيمارس بها الحزب الشيوعي السابق المعارضة بعدما غادر الحكومة، تشير أفيلال إلى أن حزبها سيمارس معارضة مسؤولة وبناءة وبمثابة قوة اقتراح على مستوى البرلمان والمؤسسات الأخرى. بدوره لفت إسماعيل الحمراوي إلى أن التوجه إلى موقع المعارضة هو خدمة لمصلحة المملكة والاستعداد للمحطة الانتخابية المقبلة، من خلال التواصل المباشر مع المواطن والتفاعل مع جميع قضايا المجتمع الشائكة والاحتجاجات الاجتماعية كحراك الحسيمة. ويبقى أكبر مستفيد من قرار التقدم والاشتراكية جناح المعارضة داخل البرلمان التي ستحتفي باتساع رقعتها بانضمام حزب يوجد في أسوأ حالاته لكنه مازال صامدا وباستطاعته أن يوجه ضربات موجعة للعدالة والتنمية وحلفاء الأمس، حسب تعبير عمر الشرقاوي. والسؤال الذي يطرح عقب هذه الاستفاقة المتأخرة، هو ماذا سيفعل هذا الحزب في صفوف المعارضة بعدما أنهكته لعقدين من الزمن الآلة القوية للسلطة، وفشله الذريع في القطاعات الاجتماعية التي دبرها الحزب من بوابة وزارة الإسكان إلى الصحة والماء؟
مشاركة :