تفاءلت بعض السيدات بإعلان وزارة التضامن منذ أيام التوسّع في منظومة الحماية الاجتماعية، ودخول فئات جديدة ضمن برامج الدعم النقدي المعروف بـ”تكافل وكرامة”. وهو نظام وضعته الحكومة المصرية، ويقدّم إعانة شهرية نقدية للمطلقات والأرامل والمعيلات وذوي الإعاقة وكبار السن من الأسر الفقيرة في مختلف المحافظات. ومنهن متزوجات لا تنطبق عليهن شروط الإعانة. وعند الاستفسار كانت إجابتهن سينفصلن عن الأزواج رسميا، ويعشن بورقة زواج عرفي للحصول على تلك الأموال القليلة التي تقدّمها الحكومة، وتتراوح بين 320 و450 جنيهًا، أي أقل من 26 دولارا. لَم يكن التفاؤل حال رزقة محمد، صاحبة ملامح بارزة ونظرات غير قابلة للتفسير، تعاني واقعاً يغصّ بالمشاكل، أقلّها أن زوجها يعمل يوما ويجلس بالمنزل أياما، حيث قالت لـ”العرب” إنها أم لستة أطفال وسبق وأن تقدمت بطلب لوزارة التضامن، وكانت شروط برنامج “تكافل وكرامة” تنطبق عليها وزوجها لكنها لم تتلق ردا. وجدت السيدة الأربعينية قارب النجاة في الطلاق الصوري، أو كما يعرف على “ورق سلوفان”، فقد نصحها قريب يعمل بهيئة التأمينات الاجتماعية أن يطلقها زوجها ويتزوجها عرفيّا، وتقدّم وثيقة الطلاق لمكتب التأمينات التابعة له للحصول على “معاش” والدها المتوفي وكان موظفا في هيئة السكك الحديدية وقيمته أربعة آلاف جنيه، ما يعادل 242 دولارا، ووفقا للقانون المصري يحقّ للمرأة المطلقة الحصول على معاش والدها بعد وفاته. حذّر موظف التأمينات رزقة من اكتشاف أمرها وإبلاغ الجهات المختصة، لذلك تركت أسرتها المنطقة التي تقطنها وذهبت إلى منطقة شعبية في حي بشبرا الخيمة بشمال القاهرة كي لا يكتشف زواجها العرفي. تشير السيدة إلى أن الطلاق الصوري والحصول على أموال المعاشات بات وسيلة لسيدات من مختلف الفئات العمرية، خاصة بعد غلاء الأسعار، وعدم استطاعة الكثير من الأسر على مجاراتها.قسّمت منال إسماعيل موظفة بالتأمينات الاجتماعية، المقبلات على الطلاق الصوري لثلاث فئات، إحداها تعاني فقرا مدقعا وأغلبها من القرى الفقيرة والنجوع وتطلّق للحصول على معاش “تكافل وكرامة”، وأخرى تطلّق لأجل معاش ذويها، أما الفئة الثالثة تتقاضى معاشا كبيرا وتشترط عند الارتباط أن يكون الزواج عرفيّا وغير مثبت في السجلات الرسمية للاستمرار في صرف المعاش. ولم تنكر الموظفة أن قانون التأمينات والمعاشات لا توجد به آلية محددة لمراقبة مستحقي المعاشات، والإدارات لا تقوم بالتحرّي حول أحقية المُطلّقات لمعاش ذويهن دون وجود شكوى من أهل المُطلّقة أو زوجها إذا حدث خلاف بينهما أو من المحيطين بها. وراجت مؤخرا أخبار بشأن الفنانة المصرية سميحة أيوب (89 سنة)، بسبب القضية المُقامة ضدها من ابنتي زوجها السابق الكاتب المسرحي سعدالدين وهبة، بعدما علما بزواجها عرفيّا منذ عام 2000 وإخفاء زواجها كي تستمر في صرف معاش الزوج. وترى منال إسماعيل، أن الزوجة تمر بمشاكل كثيرة جرّاء تحويل زواجها من رسمي إلى عرفي وتذكر أن سيدة جاءت للحصول على معاش والدها المتوفي، لأنها مطلّقة، ويبدو من مظهرها أنها حامل، وعندما سألتها أنكرت ذلك، فما كان من الموظفة إلا أن هاجمتها قائلة وكيف ستنكرين المولود وباسم من يتم تسجيله؟ ويعود تزايد الظاهرة إلى سوء العلاقة بين الكثير من الأسر والحكومة، وإحساس الأسر أن الثانية تستنزفها ماديا برفع أسعار كل السلع والمنتجات والخدمات، ويتولد لديها الشعور بأحقيتها في استرداد أموالها بأي وسيلة. وكشفت إحدى السيدات في قرية “سنجلف القديم” بمحافظة المنوفية في شمال القاهرة لـ”العرب” عن حيل جديدة يلجأ إليها الأزواج للحصول على وثيقة الطلاق. فعندما يكون المأذون قريبا أو متعاطفا يعطي الزوجين الوثيقة دون إلقاء يمين حقيقي، مكتوب بها “فشلت جميع محاولات الإصلاح بين الزوجين، وأبرأت الزوجة زوجها من القائمة ومؤخر الصداق، وقالت أطلب الطلاق، ورد الزوج قائلًا أنت طالق، واتفق الشهود على ذلك”، ثم يوقعان عليها بينما لم ينطقا بذلك في الواقع. وتشير السيدة إلى أن هناك مأذونين يفعلون ذلك بمقابل مادي، لكن بعض الأزواج لا يملكون هذا المقابل فيلجؤون للطلاق والزواج عرفيا.ولا ينفي الشيخ إسلام عامر، نقيب المأذونين، انتشار الطلاق الشكلي خلال الفترة الماضية، لكنه ألقى بالمسؤولية كاملة على الجهات المنوط بها التحرّي عن صحة الطلاق في الواقع. ولفت إلى صعوبة إثبات تورط المأذون في توثيق طلاق في حالة علمه بنية الزوج أو الزوجة بالتربح من ورائه، وهو ما يجعله بعيدا عن المسؤولية والمُحاسبة القانونية، ومتى طُلب من المأذون توثيق الطلاق بعد إصرار الزوجين فلا يُمكنه الامتناع عن ذلك، وحال كان الطلاق بعيدًا عن الخلافات الزوجية من الضروري على المأذون تحكيم ضميره ورفض توثيقه. ويزيد اختلاف رجال الدين حول مدى حرمة هذا الفعل، وهل يجوز اللجوء إلى تلك الحيل في حالة الاضطرار؟ من تعقيد المسألة، فقد أصدر الأزهر الشريف فتوى تحرم الطلاق الصوري للحصول على المعاش واعتبره نوعا من التحايل غير المشروع، وبالمثل اعتبرته لجنة الفتوى نوعا من أكل المال الحرام، وهناك من قال إن الزواج العرفي حلال، لكن المال حرام وآخرون حرموا الاثنين. وشدّدت آمنة نصير، أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، في تصريح لـ”العرب”، على أن الظروف المعيشية الصعبة لا تغير المواثيق ولا أحكام الدين، فالزواج ميثاق غليظ، ولا ينبغي أن يراهن عليه لأجل منفعة وخدشه بالتحايل أو الكذب للحصول على مبالغ مالية دون وجه حق، مما يبطل العقد. وأوضح علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، في برنامج على فضائية “سي.بي.سي” أن المرأة التي تحصل على معاش والدها بعد الطلاق تستحقه أيضا إن عادت مرة أخرى إلى زوجها بعقد عرفي، وهذا العقد لا يوجب على الزوج قانونا الإنفاق على الزوجة، ولها أن تحصل على المعاش، ولو عادت لزوجها بعقد رسمي لا تستحقه، لأنه وجب على الزوج الإنفاق عليها. ولا يزال الطلاق الوهمي مسألة جدلية، ويؤدي إلى فجوة كبيرة بين الزوجين، ويعرضهما لمواقف مخجلة وتمضي علاقتهما من دون معايير محددة، ما يتسبب في تكوين جيل مفكك أسريا.
مشاركة :