منذ أن كنا طلاباً في الابتدائية ونحن تتردد على مسامعنا عبارات التحفيز والمثابرة، وأن مصير كل مجتهد إلى المعالي، وأذكر أن من أكثرها رسوخاً لدينا تلك العبارة الشهيرة "من جد وجد ومن زرع حصد"، ولا شك في ذلك بل إن الأمر جله في حيز الإدراك والتجربة عند الجميع ولكن ما لم نتعلمه حينها أن للحياة واقعاً مغايراً، لربما فرضته علينا ووقفت بيننا وبين ما نسعى إليه، لذلك نشأت في مجتمعاتنا ما تسمى "عقيدة الحظ" التي يؤمن بها كل من فشل للوصول لمبتغاه، أما الناجح فلا يؤمن بها ويحب أن ينسب نجاحه لنفسه ولعل الصورة تتضح أكثر في مباريات كرة القدم في حالة خسارة الفريق تجد اللاعبين والإداريين يتحدثون أنهم بذلوا كل ما في وسعهم، ولكن لم يحالفهم الحظ وفي حالة الفوز تجدهم ينسبون ذلك إلى الإعداد الجيد للفريق وجدية المعسكر والتزام الجميع بالتدريبات، وما إلى ذلك، أما الحظ فلا ذكر له إطلاقاً، وما يرسخ هذه الحالة أبد الدهر أن إطارنا الفكري الذي اكتسبناه من مجتمعنا مهما بلغ من اتساع وثقافة وسمو لا يحب أن يعترف بالإخفاق أبداً، وإن كانت عوامله خارج سيطرتك ولا يسعى لذكرها بل يسلط جم غضبه على الحظ، إن خطورة هذا الفعل على الفرد شديدة وهي تراكمية فعقلك الباطن متى ما ترسخت لديه فكرة أنك "سيء الحظ" سيظل يلاحق كل خطوة تضعها على سلم النجاح ليعيدك إلى الصفر، ولربما إلى مرحلة مليئة بالقنوط والتذمر، وهي أرض خصبة لظهور بعض السلوكيات التي تنبذها الإنسانية كالحسد والغيرة ونحوها، يقول (سيغموند فرويد) وهو أكثر علماء النفس شهرة "إن للإنسان عقلين ظاهر وباطن وإن أغلب أعمال الإنسان مسيرة بعوامل منبعثة من العقل الباطن"، وهنا المصيبة إذا ما تأكدت فكرة سوء الحظ هذه لدى الفرد، هذا كله لا ينفي وجود من ساندهم الحظ ووقف بجانبهم حتى جعلهم على هرم التميز، ومما يصيبني شخصياً بالحيرة أن بعض هؤلاء لم تكن لديه خطة مسبقة لذلك، ولم يبذل عمراً وجهداً كغيره ممن لم يحالفهم الحظ وللأسف أنهم لا يعترفون بذلك بل يخرجون علينا بقصص عجيبة تشرح لنا جهدهم المستميت ونضالهم في سبيل ما قد وصلوا إليه، ولو كنت على يقين أن أحدهم ليس صلباً إلى هذه الدرجة، ولكن السبب يعود إلى ما شكله الإطار الفكري المجتمعي في اللا شعور عندهم بأن المحظوظ ليس على كفاءة عالية أو أنه ليس جديراً بما قد حصل عليه هو ما دفعهم لتلك القصص "السينمائية"، إن أكثر المحظوظين إنصافاً لوصف حاله هو من يقول لك "الظروف خدمتني". بقي عزيزي القارئ أن تجيب على سؤالي بكل تجرد ومسؤولية "هل أنت شخص محظوظ؟".
مشاركة :