أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، صباح أمس، تجديد تعاونهما ضمن مبادرة المنظمة لاستعادة المواقع التراثية والثقافية بمدينة الموصل العراقية، والتي انطلقت تحت شعار «إحياء روح الموصل». وقد وقعت معالي نورة بنت محمد الكعبي وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة، وأودري أزولاي المديرة العامة لمنظمة اليونسكو، أمس، اتفاقية جديدة تخص المشاركة الإماراتية، في جهود إعادة إعمار المعالم التاريخية في مدينة الموصل، التي تعتبر محطات فارقة في مسيرة الحضارة الإنسانية. تأتي الاتفاقية الموقعة بين الجانبين، في إطار «عام التسامح»، الذي أطلقته دولة الإمارات شعاراً لعام 2019، والذي يؤكد قيمة التسامح كمفهوم عالمي، ومشروع مؤسسي مستدام، بهدف إعلاء قيم التسامح والحوار والعيش المشترك، والانفتاح على الآخر لدى مختلف الثقافات. وتنص الاتفاقية، على أن تقود دولة الإمارات جهود إعادة بناء عدد من المواقع الثقافية المدمرة في الموصل، وهي كنيسة الطاهرة، وكنيسة الساعة. وحضر مراسم توقيع الاتفاقية، كل من: عبدالرحمن حميد آل حسين السفير العراقي لدى باريس، والدكتور محمد علي الحكيم وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، والأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، ونيكولا تيكسييه، رئيس الرهبنة الدومينيكانية في مقاطعة فرنسا، وأوليفيه بوكيون، أمين عام لجنة مؤتمرات الأساقفة بالاتحاد الأوروبي. التزام إماراتي وفي تعليق لها على توقيع الاتفاقية الجديدة، قالت معالي نورة بنت محمد الكعبي: «تشرفنا اليوم بتجديد تعاوننا مع منظمة اليونسكو، وتوقيع هذه الاتفاقية التي ستمكننا من استكمال شراكتنا مع أشقائنا في العراق، وأهالي مدينة الموصل العريقة، للمساعدة على إعادة بناء المواقع الثقافية والتراثية التي تجسد روح التعايش والتسامح في المجتمع. إن مشاريعنا الثقافية من هذا النوع، والتي نقوم بها تحت مظلة اليونسكو في جميع أنحاء العالم، دليلٌ على التزام دولة الإمارات بتعزيز جهود اليونسكو، من خلال التعاون الدولي في مجالات العلم والثقافة والعلوم. ونرسل من خلال هذه الاتفاقية الجديدة، رسالة أمل وروح جديدة لأهالينا في العراق والموصل. فمن خلال إعادة بناء جزء من تاريخ هذه المدينة العريقة، سنسهم في صياغة مستقبل أفضل، وبناء مجتمع أكثر تسامحاً وانفتاحاً، وهي القيم التي لطالما اتسمت بها الموصل طيلة تاريخها». وقالت معالي نورة الكعبي: «تشكل إعادة بناء كنيستي الطاهرة والساعة، ومن قبلهما الجامع النوري ومنارته الحدباء، رسالة ثقافية وحضارية قوية في مواجهة الممارسات والأفكار المتطرفة التي ساهمت في تدمير هذه المعالم الأثرية بالأمس القريب. يعكس هذا المشروع رسالة وجهود الإمارات في نشر رسالة الأمل والانفتاح والاعتدال، مقابل ثقافة التعصب والتطرف، وتمثل هذه المباني المدمرة شاهداً حياً على مدى وحشية الفكر المتطرف». وأشارت الكعبي، إلى أن إعادة بناء كنسيتي الطاهرة والساعة، اللتين يزيد عمرهما على مئات السنين، تعيد الوجه الحضاري المشرق لمدينة الموصل، ويسهم في بناء النسيج المجتمعي، وعودة المهاجرين، خصوصاً إخواننا المسيحين إلى ديارهم، من خلال ترميم المعالم التاريخية، ودور العبادة التي تمنح المجتمع الموصلي هويته وروحه، بعد أن حاول الإرهابيون جعلها أحادية اللون، ومحو الهوية الثقافية والتاريخ الحضاري والإنساني لمدينة الموصل. ونوهت وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة، بأن الإمارات من خلال هذا المشروع تصبح أول دولة في العالم تعيد إعمار كنائس العراق. وختمت نورة الكعبي، حديثها، بالتأكيد على أن مشروع إعادة الجامع النوري، وإعادة بناء وترميم كنيستي الطاهرة والساعة، يكشف عن اهتمام دولة الإمارات بالتسامح والتنوع الثقافي بين الديانات المختلفة في المجتمع الموصلي. خطوة مهمة وتعليقاً على تجديد الشراكة، قالت أودري أزولاي: «يشكّل اليوم خطوة مهمة في نهضة مدينة الموصل العريقة، ويسعدنا أن يشمل مشروعنا كنيستي الطاهرة والساعة. فالهدف من إعادة الإعمار هذه استرجاع مدينة الموصل طابعها الحقيقي الذي يعكس التعايش السلمي بين مختلف الديانات والمجموعات الإثنية. ولا بدّ لي من التعبير عن فائق امتناني لدولة الإمارات العربية المتحدة، التي دعمت مبادرتنا منذ إطلاقها، إيماناً منها مثلنا بأنّ إعادة الإعمار لا تكتمل إلا بالثقافة والتعليم». ويأتي هذا المشروع الجديد، امتداداً للاتفاقية التاريخية الموقعة في أبريل 2018، حيث تعهدت الإمارات بتقديم بمبلغ 50.4 مليون دولار للمساهمة في إعادة بناء التراث الثقافي للموصل. وسيبدأ المشروع، بترميم المعالم التاريخية وإعادة بنائها، لا سيما مسجد النوري التاريخي ومئذنة الحدباء، التي يبلغ ارتفاعها 45 متراً، والتي تم بناؤها قبل أكثر من 840 عاماً. ومع تجديد هذه الشراكة، ستقدم دولة الإمارات دعمها لإعادة إعمار كنيسة الطاهرة، التي يبلغ عمرها نحو 800 عام، والتي تقع في منطقة ميدان بمدينة الموصل القديمة، وتعد واحدة من أقدم الكنائس في المنطقة، حيث يعود تاريخها إلى الألفية الأولى، وكنيسة الساعة، المعروفة أيضاً باسم كنيسة سيدة الساعة، والتي تعد مثالاً حياً للأخوة بين أهل الموصل، الذين تخرجوا في مؤسستها التعليمية، بغض النظر عن خلفيتهم الدينية. وتتضمن هذه الجهود أيضاً، بناء متحف ونصب تذكاري يعرض ويحفظ آثار وتاريخ المساجد والكنائس التي تم إعادة إعمارها، بالشراكة مع الحكومة العراقية وأهالي الموصل والمؤسسات التعليمية. وسيكون للمتحف والنصب التذكاري تأثير طويل الأمد على مجتمع الموصل، حيث ستوفر هذه المشاريع فرص تدريب وعمل لأكثر من 1000 شاب من أهالي الموصل، فضلاً عن تطوير مهارات العاملين في تلك المشروعات، من خلال فرص التعليم والتدريب، وكذلك المساهمة الكبيرة لهذه المشروعات في تنشيط الاقتصاد المحلي، من خلال السياحة الثقافية في الموصل والعراق. في إطار بذل الجهود لتعزيز نمو المشروع، وظف المشروع 27 عراقياً وتعاقد مع 4 شركات عراقية. تفاعلت دولة الإمارات العربية المتحدة مع أكثر من 50 من العراقيين المحليين، لتلقي ردود الفعل المباشرة، حول وجهة نظرهم حول استعادة المواقع الثقافية التي تعكس إرث بلدهم. كنيسة الساعة تقع كنيسة الساعة، في حي الساعة بمدينة الموصل، وتعرف أيضاً بكنيسة الدومنيكان. وتعتبر إحدى أشهر كنائس الموصل، وإحدى المعالم المميزة للمدينة، وقد دمرها الإرهاب بالكامل في 25 أبريل 2016. وقد تم البدء ببناء الكنيسة عام 1866. واستغرق بناؤها ست سنوات، فتم تدشينها في 4 أغسطس 1873، أما برجها الشهير فلم يكتمل حتى 1882، ويحتوي على ساعة نصب، قُدمت كهدية من زوجة الإمبراطور الفرنسي، نابليون الثالث. كنيسة الطاهرة تعتبر كنيسة الطاهرة للسريان الكاثوليك، أكبر كنائس العراق، وإحدى كبريات كنائس الشرق الأوسط سعة وهندسة وجمالاً، افتتحت 1947 وتتألف من ثلاثة فضاءات شاهقة، أوسعها وأعلاها وأوسطها، وتضم قبة شاهقة تخترقها اثنتا عشرة نافذة. أما الفضاءات الداخلية الكبرى الثلاثة فترتكز على 18 عموداً رخامياً ضخماً، تتلاقى في أقواس شاهقة رائعة، وقد قام الإرهاب بتفجيرها في فبراير 2015.
مشاركة :