دويلة مكتملة ودولة ناقصة

  • 10/22/2013
  • 00:00
  • 21
  • 0
  • 0
news-picture

دويلة ولدت بعكس ما كان لدولة وجدت لتموت لا لتعيش. دولة مصابة بمرض نقص المناعة المكتسبة (المكتشف بالمزارع المغلقة وليس في الغابات) منذ كانت في رحم أمها الحنون في مقابل دويلة صحيحة تعانق الطبيعة، وتسوق إليها الأتباع على نجائب من نور. الأولى نتاج طبيعي لعلاقة غير طبيعية فرص بقائها إما ضئيلة أو معدومة، والثانية ركبت الأولى، فتحوا أبواب خزنتها، فكانت لهم ولمن كان إليها راغباً ولم يكن في يوم لها عصياً. الدويلة في طريقها إلى المرحلة الثانية بثبات الواثق من خطواته، تتوسع في جغرافيا إستراتيجية تؤمن استقراراً وسبباً إضافياً للغاية من وجودها المبتدأ قبلاً بالموت وبالسير وراء النعوش التي فيها خوف للحي ودفع للباقي لا الميت الذي لا يرى أصلاً موت نفسه. إستراتيجية دفعت المتقين المتبصرين بأمورها نحو دور الأيتام وتحديد أدوارها ونحو عوائل الشهداء ومهمة رعايتها . هؤلاء في قاموس الدولة الخالدة خزانها، ومنهم تستمد القيادة الحاكمة سلطانها، هم باختصار جنودها وحراسها. القادمون الجدد تصونهم وتحميهم شبكة من الخلايا ترعى بإتقان لا مثيل له مصالحهم، هي لأجلهم تستورد ثقافات تبيح لهم المحظورات وتذلل من أمامهم الصعوبات، تؤمن ما يدر عليهم وعلى القائمين على أمرهم الملايين من أوراق المال، فيصبح التخلي عن الموعودة جحوداً. إن ما يجمع الناس حول الدويلة، على ما هو ظاهر، أكثر بكثير من دور العبادة وقدسية السلاح. أقوى بكثير من السير وراء النعوش، إنه على ما يبدو يوازي الدم ويتساوى مع الشهادة، هو الباطن المضمور لكنه السبيل الوحيد لبقائهم وبقائها، إنها التجارة وفي الكتاب ذكرها، هي، كما جاء فيه، لن تبور ولن تهلك، فيها حياة وبقاء ومنها الزيادة في الرزق والثواب، وبها النجاة من السحق. يبقى أن الدويلة، وكي تزهر وتكتمل، يلزمها حرب على الآخر المعوق لقيامتها، وللسلاح في ذلك فعل، هو في وجه الخصم العنيد فيه حل، يرافقه قهر وحرمان وتجويع وهجرة وجهل وإحباط تبقي الشريك اللدود في الوطن أمام العدم أو السحق، وفي كلاهما طريقه إلى الفناء. الثورة الإسلامية في لبنان لم تكن في يوم مشروع فراغ أو هبة مهداة من رب السماء ولا كانت استجابة لدعاء أو خارقة في زمن العجائب، بالطبع هي ليست رد لجميل على فعل حسن لبشر هم عند البعض في عداد المحسنين الكبار، إنها حكاية تأمل مارسها صاحب العصر والزمان، خلصت إلى قيام دويلات أفلاطونية تكون كالأغصان تشكل مع بعضها ظل الجمهورية الفاضلة، هو حاكمها، ففيه من خصال المعصومين أصل ومن سلالة آل البيت نسب، ومن بيت النبوة طرف، وعليه فله وحده الحكم المطلق. أسطورة لبنان استنزفت وما بقي منها إلا بيوت بمنازل كثيرة، وتاريخ لحضارات توالت منذ أقدم العصور، وشخصيات استلزم وجودها أصلاً قيامة الدولة. المنطق اليوم يعتنق الحاضر ويعانقه ويعزو التاريخ إلى الذكرى، والمستقبل إلى الحلم، المريض فيه لا يضيره إن كال الجميع له المديح بعد أن يذهب، فعندها لن يكون موجوداً. حذار اللعب مع الزمن، هو كالنهر لا أحد يستطيع النزول في مائه مرتين، بل وأجزم أنه لن يستطيع أن يفعلها مرة واحدة، فماء النهر يجري ومثله يفعل الزمان. أخشى على لبنان من زمان يأتي لا يبقي فيه ولا يذر. يذهب بالرسالة العظيمة ويقضي على التوفيق بين أسلوب الحياة الشرقية وأسلوب الحياة الغربية، ينهي لحن التعايش السلمي الودي بين المسيحيين والمسلمين، يذل الديموقراطية الكريمة لتصبح في ما بعد الحكم حكم الدويلة.

مشاركة :