أديس أبابا - حملت جائزة نوبل للسلام التي حاز عليها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد رسالة قوية ليس لشخصه، ولكن للخيارات التي تبناها، وعلى رأسها الإصلاحات الداخلية وبناء انتقال سياسي على أنقاض عقود من الفوضى والحروب والدكتاتورية. لكن الرسالة الأهم من وراء الجائزة هي الانتصار لخيار السلام مع إريتريا والدول الداعمة له وخاصة دول الخليج، وهي تتويج لسياسة الإمارات والسعودية في حل مشاكل القرن الأفريقي برؤية مغايرة تقوم على تثبيت السلام من بوابة التنمية. وأكد رئيس الوزراء الإثيوبي، الجمعة، أن منحه جائزة نوبل للسلام “يشرفه” و”يسعده”، مرحبا “بجائزة منحت إلى أفريقيا”. وقال في اتصال هاتفي قصير مع مؤسسات نوبل “أتصور أن كل القادة الأفارقة الآخرين سيفكرون بأنه من الممكن العمل على إجراءات لبناء السلام في قارتنا”. وقالت رئيسة لجنة نوبل للسلام النرويجية، بيريت رايس أندرسن، إن الجائزة منحت لآبي تقديرا “لجهوده من أجل التوصل إلى السلام وخدمة التعاون الدولي، وخصوصا لمبادرته الحاسمة التي هدفت إلى تسوية النزاع الحدودي مع إريتريا المجاورة”. وكتب الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي على حسابه على تويتر مهنّئا صاحب نوبل للسلام. وقال “(أوجه) خالص التهاني لصديقي العزيز رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، بفوزه المستحق بجائزة نوبل للسلام.. رجل حكيم صنع السلام والأمل في بلده وجواره، تكريم في محله لشخصية استثنائية”. وأعلنت دولة الإمارات، العام الماضي، اعتزامها ضخ ثلاثة مليارات دولار في الاقتصاد الإثيوبي في شكل مساعدات واستثمارات. كما تستعد لتنفيذ العشرات من المشاريع التنموية المختلفة، فضلا عن فتح الباب لاستقبال الآلاف من العمال الإثيوبيين. وقال وزير الخارجية الإثيوبي، ورقينه جبيو، وقتها إن الاتفاق التاريخي بين بلاده وإريتريا، كان نتيجة جهود ولي عهد أبوظبي، مؤكدا أن البلدين يثمنان مساعي الإمارات لإصلاح العلاقات بينهما. ويعتقد دبلوماسيون وخبراء في الشأن الأفريقي أن الجائزة هي تتويج لمسار أشمل برز فيه آبي أحمد كواجهة للنجاحات، لكن السلام لم يكن ليتحقق لولا الرغبة الإريترية، ولولا الوساطة التي أسست لها الإمارات والسعودية بخطوات تحسين مناخ الثقة بين أديس أبابا وأسمرة من جهة، والمساهمة في خلق مناخ السلام الداخلي في البلدين عبر مساعدات كبرى واستثمارات واعدة تولت ضخها أبوظبي، وهو ما ساهم في تقوية مسار السلام والحوار داخل إثيوبيا وإريتريا كل على حدة ثم توسع ليصبح سلاما ثنائيا برعاية خليجية مباشرة. واحتضنت العاصمة الإماراتية أبوظبي في يوليو الماضي قمة ثلاثية ضمت الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي وأسياس أفورقي رئيس إريتريا وآبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا، وذلك كتتويج لمساعي المصالحة برعاية إماراتية. وقال الشيخ محمد بن زايد إن الإمارات “تدعم كل جهد أو تحرّك يستهدف تحقيق السلام والأمن والاستقرار في أي بقعة بالعالم من منطلق إيمانها بأن تحقيق السلام والأمن هو المدخل الأساسي لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة لجميع شعوب العالم”. وأكد الشيخ محمد بن زايد أن الإمارات والسعودية داعمتان أساسيّتان لكل جهد أو تحرك يستهدف حل النزاعات وتحقيق السلام والأمن والاستقرار بما يصبّ في مصلحة شعوب المنطقة وتعزيز منظومة الأمن الإقليمي والدولي، مشيرا إلى أن الخطوة الشجاعة والتاريخية تشكل نموذجا يمكن استلهامه وتطبيقه في تسوية الكثير من النزاعات والصراعات حول العالم. ويقول مراقبون إن خيار السلام، المدعوم بمزايا وإغراءات اقتصادية، والذي نجح في أول اختبار له بين إثيوبيا وإريتريا من شأنه أن يشجع على توسيع دائرة المستفيدين الإقليميين من هذه التجربة بانضمام السودان الذي يستفيد من الدعم الخليجي السخي والمستمر للتعافي من حرب الثلاثين سنة تحت حكم الإخوان المسلمين. كما يمكن أن يكون هذا الخيار أرضية لسلام دائم في مناطق أخرى في العالم. وتعطي هذه الاستراتيجية فرصة قوية لأبوظبي والرياض للاستثمار في القرن الأفريقي وفتح قنوات جديدة للوصول إلى الممرات المائية ذات الأهمية الاستراتيجية، ما يمكنهما من تأمين مصالحهما بشكل فعال. ورغم الدعم الخارجي القوي للتشجيع على سلام دائم، لا تزال رواسب الماضي بتناقضاتها المختلفة عنصرا محددا في نجاح هذا الخيار. ولم تدل الحكومة الإريترية بأي تعليق، لكن سفيرها في اليابان إستيفانوس أفورقي هنأ آبي. وقال إن “شعبي إريتريا وإثيوبيا انتصرا مرة أخرى على الشر، بالدم والعرق والدموع”. ويرى المحللون أن الطريق الذي يجب قطعه للوصول إلى سلام حاسم ونهائي ما زال طويلا. وقالت رايس أندرسن إن “لجنة نوبل النرويجية للسلام تأمل في أن تعزز جائزة نوبل للسلام موقع رئيس الوزراء آبي في عمله المهم للسلام والمصالحة”، مؤكدة أنه “اعتراف بجهوده وتشجيع له في الوقت نفسه”. داخليا، عمل آبي أحمد على القطيعة مع استبداد أسلافه وأفرج عن الآلاف من السجناء السياسيين وشكل لجنة للمصالحة الوطنية وألغى الحظر الذي كان مفروضا على بعض الأحزاب السياسية. لكن جهوده تصطدم بعقبات وستكون المحطة القادمة بمثابة اختبار لوعده بتنظيم انتخابات حرة وعادلة وديمقراطية في مايو 2020 خاصة في ضوء أعمال العنف بين مختلف العرقيات التي تمزق البلاد وتعقد إجراء إحصاء. وأثار البرنامج الإصلاحي لرئيس الوزراء استياء داخل الحرس القديم للنظام السابق مع أنه انبثق عنه. وقد تعرض لمحاولة اغتيال واحدة على الأقل منذ وصوله إلى السلطة. ورأت منظمة العفو الدولية أن منح نوبل للسلام لرئيس الوزراء الإثيوبي يجب أن تشجعه على القيام “بمزيد من الإصلاحات في مجال الحقوق الإنسانية” في ثاني أكبر بلد في عدد السكان في أفريقيا.
مشاركة :