36 بالمئة فقط من الناخبين الذين اقترعوا الأحد الماضي في الانتخابات التشريعية هن من النساء، رغم أن نسبتهن من جملة المسجلين هي 54 بالمئة. فماذا تريد نساء تونس أن يقلن من خلال حضورهن الباهت؟ تونس - “إذا أصبحت رئيسا أكبر ضمانة لتونس هي سلوى”، هذا ما قاله المرشح الرئاسي للدور الثاني في الانتخابات الرئاسية التونسية المقررة هذا الأحد نبيل القروي في أول ظهور له بعد إطلاق سراحه الأربعاء، في إشارة إلى زوجته سلوى السماوي التي أدارت حملته الانتخابية باقتدار كبير. وأكد نبيل أنه سيساند المرأة دون قيد أو شرط وأضاف “أتمنى لرجال تونس أن تكون لديهم زوجة كزوجتي”. وقال القروي “يجب أن تخرج المرأة للتصويت، رأيت أنها لم تخرج للتصويت في الانتخابات التشريعية وهذا حز في نفسي”. ومن جانبه، يؤكد قيس سعيد المرشح الرئاسي، رغم أنه ليس من مؤيدي قانون المساواة في الميراث، أن “المرأة التونسية دائما في أعيننا”. ومن بين سبعة ملايين و200 ألف من الناخبين المسجلين في الانتخابات التشريعية التي جرت الأحد الماضي والانتخابات الرئاسية في دورتها الثانية المقررة غدا الأحد، يبلغ عدد النساء حوالي أربعة ملايين. وحسب أرقام الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، في حين أن 54 بالمئة من المسجلين الجدد لانتخابات 2019 نساء، إلا أن 64 بالمئة من الناخبين الأحد الماضي كانوا رجالا في حين أن النساء شكلن 36 بالمئة فقط من الناخبين، وفق ما أعلنه نبيل بفون رئيس الهيئة في ندوة صحافية مساء 7 أكتوبر 2019. لأنها امرأة هي المرأة التي إن عبّرت عن رأيها وعارضت في السياسة، الردّ عليها يختلف عن الردّ على الرجال.. قاعدة أكدها رئيس ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف الذي حصل على مقعد في البرلمان الجديد. فقد كان مخلوف بطل محادثة متشنجة مع الأمينة العامة لحركة شباب تونس في إذاعة خاصة، توجه خلالها مخلوف للسياسية قائلا “شد دارك” في إحالة ميزوجينية فيها عنف سياسي ضد المرأة، التي لا يراها مخلوف ندا لممارسة السياسة. ورغم دعم النساء للرئيس الراحل الباجي قايد السبسي في معركته الانتخابية ضد المنصف المرزوقي في انتخابات عام 2014 إذ صوتت له مليون امرأة مكنّه من الفوز بمنصب الرئاسة ومكنّ حزبه نداء تونس حينها من المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، إلا أنه كثيرا ما يسخر خصوم قايد السبسي من النساء اللاتي صوتن له بتذكيرهن بما قاله يوما في إذاعة خاصة لامرأة حاججته “مالها إلا مرا” (ليست سوى امرأة). وفي نوفمبر 2018، استنكرت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات ما صدر عن بعض نواب الشعب من ”عنف سياسي سُلِّطَ على صابرين القوبنطيني وسعيدة قراش في الجلسة العامة المنعقدة بتاريخ 12 نوفمبر 2018”. وجاء في بيان للجمعية “إن ما أتى على ألسنة بعض النواب من تعرض للحياة الخاصة لنائبة بالمجلس وتحقير لمستشارة رئيس الجمهورية بشكل سوقي ومتدن، هو تماما ما يمنعه القانون عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة من عنف سياسي”. واعتبرت ”إن هذه الممارسات تجعلنا نتساءل عن مدى وعي النواب بالمنجز التاريخي الذي يفترض أنهم ساهموا في المصادقة عليه وهو تمتيع تونس بقانون شامل ضد العنف”. وأضافت النساء الديمقراطيات أن ”السياسة لا تعني انتهاك أعراض النساء والتشهير بهن على أسس أخلاقوية، فانتقاد المواقف السياسية لا يمكن أن ينحدر إلى وصم النساء بالاستناد إلى حياتهن الخاصة وهي خط أحمر يضمنه الدستور والقوانين المنبثقة منه”. ووفق المعهد الدولي للديمقراطية ومساعدات الانتخابات “إذا كان العنف ضد المرأة بشكل عام يطال أكثر النساء الفقيرات والأكثر ضعفا، فإن العنف ضد المرأة في السياسة يطال أكثر السيدات ثقافة وقوة”. وتؤكد دراسات أن النساء يتعرّضن للعنف السياسي أكثر بكثير من الرجال (أكثر من الضعف). وقد أكدت رابطة الناخبات التونسيات في تقريرها الختامي لمراقبة مسار الانتخابات التشريعية، أنها سجلت تعرض بعض المترشحات للانتخابات التشريعية إلى مضايقات وتحرّش من طرف بقية الأعضاء المنتمين لنفس القائمة على غرار الدائرة الانتخابيّة جندوبة (شمال غرب)، وهو ما يعدّ عرقلة لممارسة النشاط السياسي لهؤلاء المترشحات. ورصدت الرابطة عدم نشر صور النساء المترشحات بعدد من القائمات المعلقة على الجدران والاكتفاء بترك الخانة فارغة في البيان الانتخابي أو استعمال صور غير واضحة لمترشحات بقائمة مستقلة على غرار الدائرة الانتخابية ببنزرت (شمال شرق) ومدنين (جنوب شرق) وبن عروس. إذا كان العنف ضد المرأة عموما يطال أكثر النساء ضعفا، فإن العنف ضد المرأة في السياسة يطال أكثر السيدات قوة ورصدت أيضا وجود خطابات سخرية من النساء المترشحات ومحاولة إحراجهن بالسخرية من مظهرهن وفي المقابل لم يوجد اهتمام أو سؤال عن برامجهنّ وطرق تواصلهنّ في صورة الوصول إلى مراكز القرار. وبيّنت الرابطة عدم التطرّق إلى مواضيع تتعلّق بحقوق المرأة وقضيّة المساواة بن الرجل والمرأة بالبرامج الانتخابيّة منها قائمات تترأسها نساء وردت برامجهن دون أيّ نقطة تخصّ النساء، فمن بين 12 حزبا ترشّح في كافة الدوائر الانتخابيّة، نصفها فحسب تضمّنت برامجها حقوق النساء. وللعنف السياسي ضد المرأة تداعيات خطيرةٌ جدا كلفتها عالية على الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان، إذ من شأنه الحد من زيادة النساء الناشطات في الحقل السياسي، عبر ترهيبهنّ وتخويفهنّ، وهذا في حد ذاته يمثّل انتهاكا لحق المرأة في المشاركة السياسية المنصوص عليه في العديد من الاتفاقيات الدولية على غرار اتفاقية سيداو المادة 7، والعهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية المادة 25، كذلك قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة 166\130 سنة 2011. ويترجم هذا العنف الممارس ضد النساء الحضور الرقمي الباهت للمرأة التونسية في الانتخابات التشريعية. ورغم مشاركتها الفاعلة في الانتخابات تظل مجرد وقود للحملات الانتخابية، إذ بمجرد انتهاء الانتخابات، تعود المرأة إلى الصفوف الخلفية في هذه الأحزاب، وتختفي تماما من الصورة في مواقع القرار. فمؤشرات حضور المرأة في مواقع القرار تظل ضعيفة لا ترتقي إلى مستوى الخطابات الرنانة للأحزاب والسياسيين، إذ لا تتجاوز نسبة الوزيرات في حكومة يوسف الشاهد الحالية عشرة أعضاء. الحكومة إذا تضم 3 وزيرات في حكومة تتركب من 30 وزيرا و11 كاتب دولة على رأسهم رئيس الحكومة، ولم تتقلد المرأة في تونس عبر تاريخها أيّا من الحقائب الوزارية السيادية. ووفقا لدراسة قامت بها جمعية “أصوات نساء”، فإن نسبة تعيين النساء لم تتعد في الحكومة 12 بالمئة وفي رئاسة الجمهورية 14 بالمئة من مجموع النساء يشكلن حوالي 80 بالمئة من مجموع العاملين في القطاع الزراعي وهن يعانين من كل أشكال التمييز والاستغلال الاقتصادي التعيينات في الفترة الممتدة بين 2014 و2018. ومن جانبها، نددت “أصوات نساء” بما أسفرت عنه نتائج الانتخابات التشريعية مما سيؤدي إلى تركيز برلمان لن تتجاوز نسبة تمثيلية النساء فيه الـ23 بالمئة. ويعدُ ذلك مخالفا لمقتضيات دستور 2014 حيث نص الفصل 34 منه على أن “الدولة تضمن تمثيلية المرأة في المجالس المنتخبة”، كما أضاف الفصل 46 “أن الدولة تسعى لتحقيق التناصف بين المرأة والرجل في المجالس المنتخبة”. وقال بيان إن هذه النتائج تشكل تراجعا خطيرا مقارنة بنتائج البرلمان المنتخب في 2014 حيث بلغت نسبة تمثيلية النساء 36.40 بالمئة. وهي نتائج منتظرة على اعتبار مشاركتهن الهزيلة كرئيسات قائمات حيث لم تتجاوز الـ18 بالمئة. وعود فقط تظل المرأة التونسية والنهوض بأوضاعها والمحافظة على مكتسباتها من العناوين البارزة التي تتصدر البرامج الاقتصادية والاجتماعية للأحزاب السياسية التي تخوض غمار الانتخابات، رئاسية كانت أم تشريعية، إذ تخصص حيزا هاما لقضايا المرأة ضمن دعايتها الانتخابية. وتواصل الأحزاب المتاجرة بالحقوق والحريات وتوظيف قضايا النساء والزج بهن في صراعات ومزايدات حزبية وأيديولوجية لأغراض انتخابية بحتة كقضية المساواة في الميراث وقضايا النساء الريفيات بهدف اكتساب أكبر عدد من الأصوات ثم بعد ذلك يقع تجاهلهن خلال الفترات النيابية. فالمرأة حسب تحليل نتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية خزان انتخابي فاعل وحركي، لكن هذا الخزان آثر الصمت في هذه الانتخابات سواء كانت التشريعية أو الرئاسية وهو ما تترجمه الأرقام. وقال أمين عام اتحاد الشغل نورالدين الطبوبي الأحد 6 أكتوبر إن الاقتراع للانتخابات التشريعية فرصة للمواطن لإصلاح وتعديل الخيارات، مشيرا إلى أن إقبال النساء المكثف على الاقتراع مهم باعتبارهن صمام أمان. وأضاف الطبوبي ”نساء تونس قادرات على قلب المعادلة بأصواتهن”. ودعا إلى ضرورة الإقبال بكثافة لأنه، حسب تعبيره، من يختار عدم المشاركة لا يلوم إلا نفسه مستقبلا. كما أكد الطبوبي أن من ينقم على الأحزاب بعدم الاقتراع فإن ذلك نقمة على تونس، معتبرا أن عدم الاقتراع هو فقدان لفرصة تغيير أوضاع المواطنين. لكن النساء في تونس يعبرن عن خيبة أملهن إزاء مكانة المرأة في تونس. إذ لا يزال واقع المرأة التونسية بعيدا عن وعود السياسيين في المحطات الانتخابية، حيث أن نسبة الأمية ظلت مرتفعة في صفوف النساء (41.53 بالمئة) وتزداد النسبة خاصة في المناطق الريفية، وفق وكالة تونس أفريقيا للأنباء الحكومية. وتعمل جل النساء في القطاعات غير المنظمة مما يجعلهن عرضة لكل أشكال التمييز والاستغلال بينما لا تتجاوز نسبة النساء العاملات في القطاعات المنظمة 26 بالمئة وهي من أضعف النسب في العالم. كما تبلغ نسبة البطالة من بين صاحبات الشهادات العليا 38.3 بالمئة مقابل 16.5 بالمئة لدى الرجال. وتشير تقارير الجمعيات النسوية إلى أن امرأة من اثنتين في تونس كانت ضحية للعنف اللفظي أو الجسدي أو الجنسي أو الاقتصادي. وتعاني المرأة الريفية من أشكال التمييز والاستغلال الاقتصادي من قبل أصحاب الضيعات الفلاحية، كما يتعرضن لمختلف أشكال العنف وحرمانهن من حقهن في التأمين الصحي وأبسط ظروف النقل الآمن. وتشكل النساء حوالي 80 بالمئة من مجموع العاملين في القطاع الزراعي في تونس، استنادا إلى دراسة قامت بها “جمعية النساء الديمقراطيات” والتي انتقدت فيها ظاهرة عمالة النساء هذه في قطاع صعب. والغريب أن الأحزاب التي تدعو إلى المساواة بين الجنسين، تمارس التمييز في صفوف مناضليها، فقلة هي الأحزاب التي تضع امرأة على رأس قائماتها الانتخابية المترشحة للسباق نحو قصر باردو، رغم أن القانون الانتخابي يقر حضور المرأة في القائمات الحزبية للانتخابات التشريعية إذ ينص على التناصف العمودي بين الرجال والنساء أما التناصف الأفقي فهو هدف بعيد المنال. وتعلق الحقوقية بشرى بالحاج حميدة التي انتخبت نائبة في برلمان 2014، بالقول “إنه ذرّ رماد في الأعين”. وتتابع المرأة المناضلة والمدافعة عن حقوق النساء في تونس “عشت تجربة ثرية وأغادر السياسة ولست نادمة”. وهاجم العديد من المحافظين بشرى بالحاج حميدة خصوصا خلال دفاعها عن المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث. وتقول بالحاج حميدة “يريد الرجال نساء لا يشكلن لهم مصدر قلق، ولا يناقشن ولا يقررن في السياسة”. وتمكنت تونس بالرغم من ذلك من الظهور بصورة البلد الوحيد تقريبا في العالم العربي الذي يعطي مكانة متقدمة للمرأة.
مشاركة :