"لوران غاسبار" يترجل عن حصان الشعر والحرية

  • 10/12/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

في الليلة الفاصلة بين التاسع والعاشر من أكتوبر الجاري، توفي في باريس في مأوى للمسنين الشاعر الفرنسي الشهير لوران غاسبار عن سن تناهز 94 عاما. وكان قد أمضى السنوات الأخيرة من حياته فاقدا للذاكرة بسبب مرض الزهايمر. وكنت قد تعرفت على لوران غاسبار في تونس أول الثمانينات من القرن الماضي حيث كان يعمل طبيبا جراحا في مستشفى “شارل نيكول” بالعاصمة. وقبل ذلك كان قد مارس نفس المهنة في المستشفى الفرنسي في القدس. وعلى مدى سنوات طويلة ظللت على صلة به، مستكشفا عالمه الشعري الذي يستمد قوته ونضارته من أسفاره الكثيرة عبر العالم، ومن عشقه للصحاري والبحار، خصوصا البحر المتوسط. لذلك تحضر في أشعاره وفي يومياته صحراء تونس والجزائر وصحراء سيناء وجبال آسيا الوسطى، وبحر إيجه حيث كان يلتقي الشاعرين اليونانيين الكبيرين أوديسيوس إيليتيس وجورج سيفيريس. كما تحضر بلدان ومدن مثل اليمن وحلب ودمشق والقدس والجزر اليونانية وصحراء أريزونا وأماكن أخرى كثيرة متوزعة على خارطة العالم. وينتمي لوران غاسبار المولود عام 1925 إلى منطقة ترانسلفانيا الواقعة بين رومانيا والمجر. وهو ينتمي إلى عائلة زراعية مترفهة. ومبكرا تعلم أربع لغات من بينها الألمانية والفرنسية، وقرأ رامبو ورينار ماريا ريلكه الذي سينقل في ما بعد البعض من أعماله إلى لغة موليير. كما انجذب إلى العلوم الصحيحة ليدرس الهندسة في جامعة بودابست. وكان لوران غاسبار في الثامنة عشرة من عمره لما اندلعت الحرب العالمية الثانية فتم تجنيده وإرساله فورا للقتال على الجبهة الروسية. وبسبب فراره من الجندية، سجن في معتقل ألماني في فورتنبارغ، وذلك عام 1944، لكنه تمكن من الفرار منه قبيل نهاية الحرب ليقطع مسافات طويلة في الجبال والغابات قبل أن يصل إلى باريس التي كانت تعيش بهجة الاحتفالات بانهيار النازية. عندئذ قرّر الاستقرار في فرنسا، والكتابة بلغتها. بعد حرب 67، ترك غاسبار القدس بعد أن احتلتها إسرائيل، وأصدر في باريس كتابا بعنوان “فلسطين، السنة الصفر” وهو يقول “لقد أدركت بسرعة أنه يتحتّم عليّ أن أقوم باختيار جذريّ. فاللغة التي نختار الكتابة بها تصبح مهيمنة. أما اللغات الأخرى فتتهمّش بما في ذلك اللغة الأم”. وفي باريس انتسب لوران غاسبار إلى كلية الطب ليتخرّج منها طبيبا جراحا. وفي عام 1954، انطلق إلى القدس ليعمل في المستشفى الفرنسي الواقع في المدينة العتيقة المفتوحة على الصحراء. ومن النظرة الأولى فتن بالعراء التي امتد أمامه. وهو يقول “أمام بساطة الأشكال والألوان، غمرتني مشاعر وأحاسيس قوية. فكما لو أنني مقدم على أن أعيش قصة حب محمومة. باكرا، كل صباح، أركب حصانا وأمضي إلى الصحراء حيث الجبال والصخور، ومشاهد طبيعية تذكر ببداية تاريخ البشرية. وكنت أشعر أنني أمام واقع جوهري”. وفي الصيف، كان لوران غاسبار ينطلق برفقة زوجته وابنيه إلى الجزر اليونانية ليعيش مع البحارة، ومع الناس البسطاء الذين يروون له حكاياتهم مع البحر. وأثناء تردده على الجزر اليونانية في عطله السنوية، التقى بالكاتب والشاعر الفرنسي جاك لاكاريار الذي كتب أجمل النصوص والقصائد عن البحر المتوسط ومدنه وأساطيره منذ هوميروس. كما تعرّف على جورج سيفيريس وعلى ايليتيس وعلى شعراء وكتاب يونانيين آخرين. وبعد حرب 67، ترك غاسبار القدس بعد أن احتلتها إسرائيل، وأصدر في باريس كتابا بعنوان “فلسطين، السنة الصفر”، وفيه يدين الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية. كما كتب العديد من القصائد فيها يرثي “عالما جميلا” اندثر بسبب العنف والأحقاد التي تثيرها الحروب. وفي العام 1970 انتقل لوران غاسبار إلى تونس ليباشر مهنة الطب في مستشفى “شارل نيكول”. وفي واحدة من يومياته كتب يقول “مهنة الطب تتطلع إلى افتكاك كل مكان في حياتي. بل هي تتسرّب إليّ حتى أثناء اليوم. نحن ليس بإمكاننا أن نتفاوض مع ما هو مُلحّ ومُستعجل، لكن أثناء العجلة، تستبد بنا الرغبة في أن نتوقّف، وأن ننظر من حولنا، وأن نأخذ نفسا في الهواء الطلق، وأن نتأمل، وأن نكتب ملاحظة أو خاطرة على الورقة البيضاء”. وفي تونس ارتبط لوران غاسبار بعلاقات وثيقة مع البعض من الشعراء والكتاب أمثال خالد النجار الذي نقل إلى العربية الكثير من قصائده، والمنصف غشام الذي يكتب بالفرنسية، والأكاديمي الراحل صالح القرمادي. كما أطلق مجلة “أليف” التي احتضنت نصوصا وأشعارا ودراسات باللغتين الفرنسية والعربية.

مشاركة :