باسم يوسف يترجل عن «حصان طروادة» والفرس ذي الجناحين

  • 11/3/2013
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

يتأرجح باسم يوسف حالياً على ظهر حصان قوي عتي يختلف الفقهاء في كينونته ويتعارك الخبراء حول سلالته، فبين مؤكد أنه جاء يمتطي «حصان طروادة» الخشبي ليشيع فتنة خريطة الطريق وينشر فساد «الإخوان المسلمين» ويبرهن خطة التنظيم الدولي ويرسخ مفهوم «الطابور الخامس»، ومؤمن بمجيئه راكباً حصانه الأبيض الطاهر الشريف ذا الجناحين الخفاقين حيث حرية التعبير والتنظير من دون قيود، ونقاء الانتقاد من دون أجندات أو ايديولوجات، والسخرية من كل من حام أو يحوم أو جال أو يجول أو وصل أو في طريقه للوصول إلى كرسي الحكم، ومتـيقن من أن الموضوع أقل من طروادة وأبسط من الجناحين، إذ إن يوسف المتمتع بـ «ألتراس» ليبرالي خاص به والمعنون «باسم سوستة» وفق أنصار الإسلام السياسي أتى راكباً دابة كغيرها من الدواب تسير على أربع تخطئ وتصيب، تنجح وتخفق، تُباع وتُشرى، وتعمل وتوقف عن العمل. وقف «البرنامج» على قناة «سي بي سي» بعد حلقة متفجرة بسخرية مبطنة مفخخة بإيحاءات إباحية ملغمة بإسقاطات أدى إلى انفجار قنبلة باسم يوسف الموقوتة في وجوه الجميع. وبين ليلة بيان الإيقاف الصادر عن إدارة «سي بي سي» وضحى اليوم الـــتالي تحول «البرنامج» إلى شغل المصريين الشاغل وهم الإعلام بأنواعه والموضوع الأكثر إفتاء والأعلى تعليقاً والأعمق تحليلاً والأوسع جدلاً لا ينافسه سوى محاكمة القرن الثانية غداً. تفجرت مصر نقاشاً وجدالاً وإفتاءً حول إيقاف «البرنامج». دار الجميع في دوائر مغلقة، فتم تصنيف قرار الإيقاف بـ «الأحسن» و «الأسوأ» و «المتوقع» و «الصادم» و «الكاشف» و «المظلم». وفي ضوء الطقس الخريفي المتقلب، والجو الاستقطابي المتعجرف، والهوس السياسي المختل، فرح «الإخوان» وكاد غليلهم يشفى من «السوستة» الذي سخر من رئيسهم وهزئ بمرشدهم وتسفه على حلفائهم، واغتبـــط أنصار السلطة الحالية ممن اعتبروا سخرية يوسف من الرئيس الموقت الصامت وتلميحه الى قبضة المؤسسة العسكرية الحديد وإسقاطه عن غرام وهيام المصريين بوزير الدفاع «قلة أدب وانعدام لياقة وغـــــياب وطنية»، بل لمح بعضهم إلى انتمائه الى جماعة «لست إخواناً ولكن أحترمهم» أو لمجموعة «المصالحة مع الإخوان حتى لو كانوا مجرمين ضرورة». وتبقت على الساحة قلة قليلة هم أنصار ضرورة حرية التعبير وإطلاق يد الإعلام وتقبل السخرية وهضم الانتقاد وبلع التنـــكيت على الجميع من دون استثناء، وسمعت همساتهم المنددة بالإيقاف والشاجبة لضيق الصدر والثالبة لقصف الأقلام وإخراس الأصوات. إلا أن الأصوات الأعلى نبرة والأعتى إيقاعاً والأعنف قرعاً هي التي فرضت نفسها على الساحة. فالمطـــــبلون المزمرون المــــهللون المصفقون لسخرية يوسف من مرسي وجماعته وحلفائهم استعادوا موجة الطبل والــــزمر بيـــــن واصف له بــــــأنه «سفيه القرية» وناعت لإسقـــــاطاته بـ «العهر الإعــــــلامي» وواصم لنكاته بأنها دس للسم في العــــسل، والمــــعارضون له من تحت جلبــــــاب الدين تارة لأن «السخرية حرام» وأخرى بحكم ان «مرسي أمــــــير المؤمــــنين» وثالثة من منطلق ان الرقص والموسيقى والغناء موبقات من فعل الشيطان وتتحول إلى رذائــــل وكبائر لو كانت موجهة ضد الحاكم الإسلامي أول من ادخل سجادة الصلاة القصر الرئاسي وجال وصال على مساجد القاهرة الجديدة والقديمة وما تيسر من محافظات مصلياً وخاطباً وواعظاً على الهواء مباشرة وصفوا قرار الإيقاف بـ «انتقام السماء من الزنادقة والملاحدة» و «انقـــــلاب الانقلابيـــــين على بعضهم بعضاً» و «تفسخ المتفسخين بـــسبب فسخ الرئيس الشرعي مرسي حيث أم الشرعيات ألا وهي صناديق الانتخاب». ومن أم الشرعيات إلى أم الحريات التي أشار إليها نائب الرئيس السابق محمد البرادعي في عودة «تويترية» مفاجئة له، باغت البرادعي محبيه السابقين ومتشككيه الحاليين بتغريدة من وحي الإيقاف: «حرية التعبير هي أم الحريات. إذا اقتصرت على من نتفق معهم فهي شعار أجوف. الشجاعة هي في الدفاع عنها وليست في قمعها. تحية وتقدير لباسم يوسف». ولولا أن أنصار الشرعية والشريعة مشغولون حالياً في محاولات عاتية لـ «كسر الانقلاب» وجهود مكثفة لدحض الشعب الكاره للجماعة وإحماء الساعات الأخيرة لمليونية (أو بالأحرى مئوية) «زلزلة الانقلاب» قبل محاكمة محمد مرسي التي تصب غداً الإثنين في «يوم صمود الرئيس» وفق البيان الرقم 124 الصادر عن «التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب»، لوزع أنصار الشرعية والشريعة جهودهم وبنات أفكارهم وفلذات أكبادهم وحرائر تنظيمهم وعماد ثرواتهم وأموال تنظيمهم من أجل التشفي في وقف «البرنامج» والتلذذ بانتقاد النظام الحالي وتقديم أنشودة عن قبح باسم يوسف أو أهزوجة لنصرة المسلمين على الـ «باسمين». مسلمون من نوع آخر، ولكن من أولئك الذين لا يخلعون نعالهم قبل دخول منطقة رابعة باعتبارها أرضاً مقدسة، استمعوا إلى خطيب جمعة أول من أمس وهو يصف يوسف بـ «السافر الذي يعمل من أجل إثارة الفتنة ودس السم في العسل واتباع أجندات أميركية». لكن المسلمين أنواع وأشكال! وما يراه بعضهم رجساً من عمل الشيطان، يعتبره آخرون منة من رب العزة. ردود الفعل كثيرة ومتنافرة، فباسم يوسف أضحك المصريين في زمن «الإخوان» الذين قتلوا البسمة ووأدوا الفرحة، وباسم يوسف وهبه الله ملكة السخرية والتنكيت، وبدلاً من تكريمه قمنا بتوقيفه، لكن هناك أيضاً من قصر الحق في السخرية على «الإخوان» دوناً عن غيرهم، واحتكر الملكة لإسقاط الجماعة والإبقاء على الوطن. وبين دعوات للخروج في تظاهرات لدعم باسم يوسف، واقتراحـــات لأن يبث البرنامج من تلفزيون الدولة، وتظلمات لإعادة «البرنامج»، وتأكيدات على منع «البرنامج»، وتــــنويهات بتحميل الحلقة الممنوعة رغم أنف الكارهين، وتـــــلويحات من طرفي النقيض بضرورة محاكمة يوسف عقاباً له على ما فعله سواء بسخريته من «أمير المؤمنــــين» أو إسقاطاته عن الحكام الموقتين وأنصارهم، وأحــــلام يقــــظة بمحاكمة قرن ثالثة حيث يــــقبع باسم يوسف في قفص الاتهام بعد المخلوع ثم المعـــزول وله فيهما نصيب من نعمتي الخلع والعزل، يشغــــل المصريون أنفسهم في تلك الساعات الحالكة السابقة لمحاكمة الغد. ويظل باسم يوسف حائراً بين اتهامات «حصان طروادة»، وإشادات الحصان ذي الجناحين، وحقيقة الدابة العادية الكلاسيكية التي تخضع للمبدأ التاريخي «اربط الحمار مطرح ما يحب صاحبه»، سواء كان صاحب القناة أو حاكم البلاد.

مشاركة :