ينطلق ويعقد على مدار يومى الخامس والسادس عشر من الشهر الجارى الحدث العالمى السنوي الجديد لدار إفتائنا المصرية، المتمثل في مؤتمرها العالمى الخامس "الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي"، برعاية كريمة من رئيس الجمهورية، ومشاركة وفود عالمية تزيد عن السبعين وفدا، تضم عددا كبيرا من كبار علماء الشريعة والفقه والافتاء من مختلف دول العالم، ويناقش خلالها العديد من القضايا الافتائية المؤثرة في بلادنا وسائر البلاد الإسلامية.والحق أشهد أن علماء ورجال دار الإفتاء المصرية برئاسة فضيلة المفتى الأستاذ الدكتور شوقى علام، والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، وعلى رأسها فضيلة الأستاذ الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي الجمهورية الأمين العام، يقومون بدور فاعل، مهم، وفعال في تحضير وإعداد وإخراج مؤتمرات دار الإفتاء العالمية، والتي يشارك فيها كوكبة من كبار علماء الفقه على مستوى العالم، وكم شهدنا الصورة المشرفة الدولية لمؤتمرات دار الإفتاء المصرية طيلة الأعوام العديدة الماضية، تبرهن على صدق وقامة وقيمة مكانة مصرنا الحبيبة، ودار افتائنا المصرية، هذه المؤسسة الدينية المصرية، العالمية التي يشهد لها- ولعلمائها، ولأطروحاتهم الفقهية والبحثية والشرعية -القاصى والدانى من كل علماء البسيطة. تأتى أهمية المؤتمر هذا العام -وفق بيان دار الإفتاء- باتخاذه إجراءات وتدابير من شأنها المساهمة في إدارة الخلاف الفقهي، وتعظيم الاستفادة منه من خلال استثمار هذا الخلاف وإدارته بأسلوب رشيد ليكون أداة فاعلة في دعم منظومة المشاركة الفقهية والإفتائية في الحضارة المعاصرة بعمومها وخصوصها، على الصعيدين المحلي والإنساني، خاصة وأن معالجة قضية إدارة الخلاف لا تزال تشغل العقل الإنساني بعد حقب تاريخية طويلة، انتفعت الإنسانية في بعضها بثمرات الخلاف، وعانت في بعضها الآخر من ويلات التعصب الديني أو الطائفي أو المذهبي.كما يناقش مؤتمرنا الافتائى العالمى كيفية استثمار الخلاف الفقهي الموروث في معالجة القضايا والمشكلات الراهنة، والوقوف أمام التحديات الراهنة، وتفادي كون الخلاف الفقهي سببا في صراع مذهبي أو طائفي بين المسلمين أنفسهم، حيث نتج عن إساءة إدارته استغلال بعض الجماعات المتطرفة لارتكاب وتبرير أفعالها الإجرامية التي هي بمنأى عن المقاصد والأخلاق والقواعد التي نبعت منها هذه الخلافات، حيث يبقى هذا تحديا تجب مواجهته ومعالجته من المعنيين بأمر الإفتاء، جنبا الى هدف من أهدافه الجوهرية أيضا بسعيه البليغ إلى إبراز الريادة المصرية وتجربتها في العيش المشترك والتسامح الفقهي، وتجديد النظر إلى الخلاف الفقهي ليكون بداية حل للمشكلات المعاصرة بدلا من أن يكون جزءا منها، وتحديد الأصول الحضارية والاتجاهات المعاصرة للتعامل مع مسائل الخلاف وقضاياه، إضافة إلى تنشيط التعارف بين العاملين في المجال الإفتائي على اختلاف مذاهبهم.فضيلة الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي الجمهورية الأمين العام لدور وهيئات الإفتاء في العالم بيَّن أن المؤتمر سيرتكز على مدارسات مهمة، عبر أربعة محاور، جميعها ترسخ لفكرة إدارة واستثمار الخلاف الفقهي بشكل إيجابي، حيث يأتى المحور الأول "الإطار التنظيري للإدارة الحضارية للخلاف الفقهي"، لدراسة نقاط الاتفاق والافتراق بين النموذج الإسلامي وغيره في النظر إلى قضية الخلاف بصفة عامة، وقضية الخلاف الفقهي بصفة خاصة في موضوعاته السابقة، والتي تبدأ من الرؤية الفلسفية الإسلامية لقضية الخلاف في عمومها، والتي تجلَّت في كمٍّ هائل من النصوص والكتابات والتجارب. أما المحور الثاني "تاريخ إدارة الخلاف الفقهي: عرض ونقد" فيطرح المشاركون فيه كيفية الاستفادة من التجربة الفقهية الإسلامية في عصورها المختلفة؛ للوقوف على ثمرات التجربة إيجابًا أو سلبا، بينما يناقش المحور الثالث موضوع "مراعاة المقاصد والقواعد وإدارة الخلاف الفقهي.. الإطار المنهجي" وتأتي نظرية المقاصد -تلك النظرية الأصولية العبقرية التي تناولتها عقول المسلمين قديمًا وحديثا- لتمثل ميزانا ضابطا للفقه الإسلامي، ولتكون مرجعا منهجيا ضابطا لإدارة الخلاف والاختيار الفقهي، بينما المحور الرابع والأخير "إدارة الخلاف الفقهي.. الواقع والمأمول"، يناقش تطلعات عدة من خلال ما يدور من المدارسات والمناقشات في هذا المحور سعيا إلى الخروج بنتائج عن الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي في الجانب الإفتائي خصوصا وفي جوانب الحياة كافة؛ حيث يناقش الحاضرون التجارب والأنشطة العلمية الداعمة لإدارة الخلاف الفقهي المفضية إلى التعايش ومواجهة التحديات الفكرية والمجتمعية؛ مع الخروج بأفكار وتوصيات للإفادة من إدارة الخلاف الفقهي في هذه المناحي.كما كشف فضيلة الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي الجمهورية الأمين العام لدور وهيئات الإفتاء في العالم عن قيام المؤتمر بإطلاق عدد من المبادرات والمشروعات الإفتائية المهمة، من بينها إطلاق "وثيقة التسامح الفقهي" وهى وثيقة لإقرار مبادئ التسامح ونبذ التعصب في مجال الإفتاء والفقه الإسلامي والإجراءات اللازمة لذلك؛ وتهدف إلى نبذ التعصب المذهبي المهدد للتماسك الاجتماعي للدول الوطنية والمجتمعات الإنسانية، وجعل التجربة المذهبية معينا للإفادة، يُستثمر إنسانيا، وكذلك إطلاق "جائزة باسم الإمام القرافي" لتكريم أصحاب الأبحاث المتميزة التي تثري الإنتاج البحثي والفقهي، وتهدف الجائزة إلى تشجيع البحث العلمي الشرعي وتقدير دوره فيما يخدم القضايا الفقهية خاصة المعاصرة منها، والتميز والإبداع في مجال البحث العلمي، والنشر في موضوعات متميزة تُثري الجوانب العلمية والشرعية والفقهية والإفتائية، وإعلان "اليوم العالمي للإفتاء" الذى يهدف إلى تكريس ضوابط الفتوى والاستفتاء وتعزيز المؤسسات والهيئات والجهات الإفتائية في أوساط الأمم والشعوب الإسلامية، والتنسيق بينها لتبادل الخبرات وتوجيه الجهود وجمع الكلمة على جدول أعمال واحد، إضافة إلى إطلاق «وثيقة التسامح الإفتائي» التي تهدف إلى التآزر لدعم الجهود المبذولة، وإصلاح المفاسد، ووقف العبث بمبادئ التشريع والفقه والإفتاء الداعمة للتعايش والتسامح، فضلا عن تدشين "مرصد المستقبل الإفتائي"، حيث بات الاهتمام بالدراسات المستقبلية من الضرورات التي لا غنى عنها للدول والمجتمعات والمؤسسات، ولم تعد ترفا فكريا.ولابد من الإقرار بشهادة شكر وتقدير وعرفان نبعثها -إعزازا وإجلالا- لفضيلة المفتى الأستاذ الدكتور شوقى علام، ولفضيلة الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي الجمهورية الأمين العام لدور وهيئات الإفتاء في العالم، ولعلماء دار الإفتاء -الجنود المجهولة-، فضيلة الأساتذة الأكارم نائبى مستشار المفتى أحمد رجب أبو العزم، وهانى ضوة، وفضيلة الدكتور طارق أبو هشيمة مدير المؤشر العالمى بدار الإفتاء، وكل علماء الدار-كل باسمه- على مجهوداتهم المباركة الطيبة، لإخراج المؤتمر، والمؤتمرات السابقة على أكمل وجه، واشرف صورة تليق بمكانة مصرنا الحبيبة ودار افتائنا المباركة، حضاريا وإسلاميا وفكريا. [email protected]
مشاركة :