نـــبــــض : وجوه أضناها التعب!

  • 10/13/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

كثبان المرايا تطوي كل مسافات الدنيا، في وقت ليس لنا فيه أقدام، أجسادنا فوق كثبان المرايا مهشمة مشحونة بوجع الإسفلت، وبانحدار كلما كبر صغرت أمامه حرية الشجر. تقترب من ذاكرة المشغولين بحمل أثقال العتالين، في طريق يضيق أحيانا بمحبيه، وبجراب يتهادى بتعبه من فوق ظهر متعب، مشغول بشد حبل النياق، وبسواقي اجذب الماء عنها منذ اختلفت الأرض وانحدرت سيول غاضبة أشعلت الركض في الأقدام العارية، كانت دون تدري إن من أشعل نجوم ليلها، كان في البدء يحلم، وكانت تخيط قمصانه امرأة اخذ الليل من عيونها مأخذه، لكنها ظلت تحيك قمصانها وتنتظر من سيأتي، ومن سيحمل حاملاً زوادتها الضائعة! نساء الحي عيون لم يمر عليها الضوء، ممتحنة في شد حبال شدتها، وفي بيت كانت تجتمع فيه كل نساء الحي، يدردشن بهدوء. أثقلتهم الحكايات، ومرت السنون على أول يوم اجتمعن فيه، لكنه البيت ظل وحيدًا يتألم ويئن وحشة الوحدة، وينظر إلى الجدران قد اثرت فيها الرطوبة وقسوة السنين.! الغريبة هي الغريبة، جاءت منذ ولدت أم حسن طفلتها الأولى، ومنذ كان البيت مشغولاً بصحوة الأطفال وهم يمرحن دون رقيب. تذكرت كل هذه الصور التي أحبتها كثيرًا واحتفظت بها في ذاكرتها دون ان تؤثر السنوات فيها. نظرت بدموع باكية وقالت: آه يا جميلة لم تركتيني وانت أول من آويت هذه الغريبة وشددت جرح ضياعها..! حجل أمي كان لقدمي أمي حجلٌ يوقظنا قبل أذان الفجر، فنتراكض عندما نسمع قرقعته، ودون أن نسأل أو يطلب منا عمل ما، نبادر في أداء واجباتنا التي الزُمنا بها، دون ان نسأل أو نعترض عليها. بحب كنا نعمل كل ما يطلب منا، وكلما انشغلنا عن واجباتنا أو رفضنا العمل به لاحقنا حجل أمي، فكنا نضحك أحيانًا، وبشقاوة لم ندركها في طفولتنا نتراكض في فناء البيت، نغسل أقدامنا بتراب الأرض، ونرمي بأجسادنا في برك الماء التي حبانا الله بها، ومن فوقنا تتحلق الطيور بأنواعها، فنلاحقها وهي تهرب من شقاوتنا، وفي كل سطح بيت علم يرفرف بضوئه الذي علمنا إن في اجتماع المحبين صحوة الحياة. حجل أمي حفظ لنا كل ما نحبه ونشتاق إليه، وبعد غيابه حزنا ودرفنا من الدموع ما أضنى أكثرنا، لأن أمي مع ضياع الحجل تلفت تسأل عنه، فقالوا لها: لأن خديجة التي تحبين ذهبت بعيدًا، وتركت أطفالها لوحوش الزمن، فانتفض الليل واختفت بسمة أمي، وذهبت مع ذهاب الحجل. صبية دون محرم يسيرون، والليل بجندبه يشعل الهدوء بالضوضاء، وسلامة أول الصبايا التي غادرتنا دون محرم يرافقها، ويأنس وحشتها.. كانت في طفولتها أم لاخوانها واخوتها اللواتي يصغرنها ببضع سنوات، كانت في التاسعة من عمرها حينما تزوج ابوها بعد موت أمها وهي على فراش الولادة، تاركة لها أخيها الصغير محمد. وهي الصغيرة التي كبرت وهي تربي اخوتها، وتجتهد في حسن تربيتهم، فكبروا وأصبحوا شبانًا وشبابًا، وهي التي طافها قطار العمر، فلم تر زوجًا انسب واعز من اخوتها واخواتها في الحرص على تربيتهم والاعتناء بكل ما يطلبونه، كبروا، وانشغلوا بحياتهم دون ان يلتفتوا إلى أختهم التي ضحت بحياتها في خدمتهم، فماتت بغصتها وهي الصبية التي كانت تحلم بمحرم، لكنها رأت في اخوتها واخواتها سلوتها، ولم تظن إن من أحبتهم تركوها لوحشتها تموت دون محرم.!

مشاركة :