«المثقف من يستطيع عقله مراقبة نفسه» (ألبير كامو) حينما يتسع مفهوم الثقافة، لا يعني في اتساعها بعدها عما هو متعارف عليه (على أن العلاقة بين المثقف والثقافة علاقة الحامل والمحمول). فأي مثقف لا يحمل ثقافة مجتمعه ضمن المنظور الإنساني، متحدثاً باسمها ومدافعاً بكل وسائل الدفاع عنها فهو خارج منظومة الثقافة. وإن لم يكن مؤثراً بالإيجاب لا بالسلب الذي يقتل ببطء المنتمين إلى الثقافة، فالإيجابية هي الرهان على بقاء الثقافة كدافع للمثقفين، مؤثرين ومتأثرين في المحيط الذي هم ينتمون إليه. لا متلونين بأقنعة زائفة وخادعة يلبسونها حينما يريدون ان يتحولوا الى حرباء قاتلة في محيطهم الثقافي، فهم في الرهان محسوبون على أنهم مثقفون، ولكن في العمل هم أول من يرتدي اقنعة التنكر ذات الألوان المريبة، فلا عملهم الثقافي شافع لهم لأنهم في أول اختبار عملي يتضح زيفهم، فلا يعني قربهم منك وتصفيقهم لك أنك محبوب لديهم، ففي العمل الثقافي تتضح هذه الألوان وتشوه صورة المثقف الحقيقي، وهو بإيمانه يعمل معهم كأنه مخدر، غائب عنه فعل الحقيقة المرتجاة من المثقف ضمن محيط العمل الواحد. فالرسالة التي اسست عليها مفهوم الثقافة رسالة لا تحمل ضغينة لاحد ولا تفصل بين لون ولون ولا ترفع من شخص دون آخر، كلهم في خيط المسبحة واحد، يعملون كمثقفين ضمن رسالة سامية لا يعكرها سوى هؤلاء الطفيليين الذين تراهم في الكثير من مواقع العمل الثقافي ينتشرون بكثرة، لكنهم في موضع الفعل من رسالة الثقافة يشوهون العمل الثقافي، وهذا ما يضر المثقف الذي يعمل بصمت لأجل رفعة الآخرين من المثقفين الذين يرون ان شعلة الثقافة مضيئة لعتمة الوجوه الملونة. فالبيئة السليمة التي هي اساس تكوين المثقف تُفرض عليه العمل بصدق وأمانة يعيش ويتفاعل معها، وأن يكون مطواعاً لها والتكيف معها، من دون الوقوع ضمن شللية ما يعكر المثقف ويشوه البيئة السليمة للثقافة. أشخاص يتناسلون باسم الثقافة لكنهم في مجال العمل يتضح معدنهم، فليسوا هم من أنت وأنا في في يوم ما آمنا بهم على أنهم من يحملون أمانة الثقافة. هذه الوجوه الملونة، لا تترك منتدى دون آخر بل هي في كل المنتديات ومجرى النبع الثقافي تراهم يتكلمون باسم المثقف، ولكن في عملهم يتضح كل شيء، فهم يعملون لنفسهم ولمن يحيط بهم من مجاميع شللية، يبرزونهم هنا وهناك، يتكلمون بفعل الثقافة ولكن الثقافة منهم براء، لأنهم في كفتي ميزان يميلون حيث تميل ريحهم، فجهاتهم مرتبطة بشلليات ذات وجوه واحدة، تتكرر هنا وهناك، في الوقت الذي فيه تعيش بيننا وجوه صادقة لا تحمل من ألوان الزيف ما يخدع الآخرين، تعمل بصمت وتبدع في رسائلها الثقافية، ولا تنتمي إلى نفسها بقدر انتمائها للآخرين، كونها سليمة القلب والروح، يذكر اسمها في كل جهات الوطن العربي ويتحدث الآخرون عن إبداعاتها، لكنها في محيطها المحلي شبه معدومة الذكر، وهنا يطرح سؤال : لماذا لا نترك مجرى نهر الثقافة يسقي الجميع؟ a.astrawi@gmail.com
مشاركة :