نبض: وجوه ثقافية زائفة

  • 2/11/2023
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

‮«‬المثقف‭ ‬من‭ ‬يستطيع‭ ‬عقله‭ ‬مراقبة‭ ‬نفسه‮»‬ ‭(‬ألبير‭ ‬كامو‭)‬ حينما‭ ‬يتسع‭ ‬مفهوم‭ ‬الثقافة،‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬في‭ ‬اتساعها‭ ‬بعدها‭ ‬عما‭ ‬هو‭ ‬متعارف‭ ‬عليه‭ (‬على‭ ‬أن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬المثقف‭ ‬والثقافة‭ ‬علاقة‭ ‬الحامل‭ ‬والمحمول‭).‬ فأي‭ ‬مثقف‭ ‬لا‭ ‬يحمل‭ ‬ثقافة‭ ‬مجتمعه‭ ‬ضمن‭ ‬المنظور‭ ‬الإنساني،‭ ‬متحدثاً‭ ‬باسمها‭ ‬ومدافعاً‭ ‬بكل‭ ‬وسائل‭ ‬الدفاع‭ ‬عنها‭ ‬فهو‭ ‬خارج‭ ‬منظومة‭ ‬الثقافة‭.‬ وإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مؤثراً‭ ‬بالإيجاب‭ ‬لا‭ ‬بالسلب‭ ‬الذي‭ ‬يقتل‭ ‬ببطء‭ ‬المنتمين‭ ‬إلى‭ ‬الثقافة،‭ ‬فالإيجابية‭ ‬هي‭ ‬الرهان‭ ‬على‭ ‬بقاء‭ ‬الثقافة‭ ‬كدافع‭ ‬للمثقفين،‭ ‬مؤثرين‭ ‬ومتأثرين‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬الذي‭ ‬هم‭ ‬ينتمون‭ ‬إليه‭.‬ لا‭ ‬متلونين‭ ‬بأقنعة‭ ‬زائفة‭ ‬وخادعة‭ ‬يلبسونها‭ ‬حينما‭ ‬يريدون‭ ‬ان‭ ‬يتحولوا‭ ‬الى‭ ‬حرباء‭ ‬قاتلة‭ ‬في‭ ‬محيطهم‭ ‬الثقافي،‭ ‬فهم‭ ‬في‭ ‬الرهان‭ ‬محسوبون‭ ‬على‭ ‬أنهم‭ ‬مثقفون،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬هم‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬يرتدي‭ ‬اقنعة‭ ‬التنكر‭ ‬ذات‭ ‬الألوان‭ ‬المريبة،‭ ‬فلا‭ ‬عملهم‭ ‬الثقافي‭ ‬شافع‭ ‬لهم‭ ‬لأنهم‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬اختبار‭ ‬عملي‭ ‬يتضح‭ ‬زيفهم،‭ ‬فلا‭ ‬يعني‭ ‬قربهم‭ ‬منك‭ ‬وتصفيقهم‭ ‬لك‭ ‬أنك‭ ‬محبوب‭ ‬لديهم،‭ ‬ففي‭ ‬العمل‭ ‬الثقافي‭ ‬تتضح‭ ‬هذه‭ ‬الألوان‭ ‬وتشوه‭ ‬صورة‭ ‬المثقف‭ ‬الحقيقي،‭ ‬وهو‭ ‬بإيمانه‭ ‬يعمل‭ ‬معهم‭ ‬كأنه‭ ‬مخدر،‭ ‬غائب‭ ‬عنه‭ ‬فعل‭ ‬الحقيقة‭ ‬المرتجاة‭ ‬من‭ ‬المثقف‭ ‬ضمن‭ ‬محيط‭ ‬العمل‭ ‬الواحد‭.‬ فالرسالة‭ ‬التي‭ ‬اسست‭ ‬عليها‭ ‬مفهوم‭ ‬الثقافة‭ ‬رسالة‭ ‬لا‭ ‬تحمل‭ ‬ضغينة‭ ‬لاحد‭ ‬ولا‭ ‬تفصل‭ ‬بين‭ ‬لون‭ ‬ولون‭ ‬ولا‭ ‬ترفع‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬دون‭ ‬آخر،‭ ‬كلهم‭ ‬في‭ ‬خيط‭ ‬المسبحة‭ ‬واحد،‭ ‬يعملون‭ ‬كمثقفين‭ ‬ضمن‭ ‬رسالة‭ ‬سامية‭ ‬لا‭ ‬يعكرها‭ ‬سوى‭ ‬هؤلاء‭ ‬الطفيليين‭ ‬الذين‭ ‬تراهم‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مواقع‭ ‬العمل‭ ‬الثقافي‭ ‬ينتشرون‭ ‬بكثرة،‭ ‬لكنهم‭ ‬في‭ ‬موضع‭ ‬الفعل‭ ‬من‭ ‬رسالة‭ ‬الثقافة‭ ‬يشوهون‭ ‬العمل‭ ‬الثقافي،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يضر‭ ‬المثقف‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬بصمت‭ ‬لأجل‭ ‬رفعة‭ ‬الآخرين‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬الذين‭ ‬يرون‭ ‬ان‭ ‬شعلة‭ ‬الثقافة‭ ‬مضيئة‭ ‬لعتمة‭ ‬الوجوه‭ ‬الملونة‭.‬ فالبيئة‭ ‬السليمة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬اساس‭ ‬تكوين‭ ‬المثقف‭ ‬تُفرض‭ ‬عليه‭ ‬العمل‭ ‬بصدق‭ ‬وأمانة‭ ‬يعيش‭ ‬ويتفاعل‭ ‬معها،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬مطواعاً‭ ‬لها‭ ‬والتكيف‭ ‬معها،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الوقوع‭ ‬ضمن‭ ‬شللية‭ ‬ما‭ ‬يعكر‭ ‬المثقف‭ ‬ويشوه‭ ‬البيئة‭ ‬السليمة‭ ‬للثقافة‭. ‬ أشخاص‭ ‬يتناسلون‭ ‬باسم‭ ‬الثقافة‭ ‬لكنهم‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العمل‭ ‬يتضح‭ ‬معدنهم،‭ ‬فليسوا‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬أنت‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬ما‭ ‬آمنا‭ ‬بهم‭ ‬على‭ ‬أنهم‭ ‬من‭ ‬يحملون‭ ‬أمانة‭ ‬الثقافة‭.‬ هذه‭ ‬الوجوه‭ ‬الملونة،‭ ‬لا‭ ‬تترك‭ ‬منتدى‭ ‬دون‭ ‬آخر‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المنتديات‭ ‬ومجرى‭ ‬النبع‭ ‬الثقافي‭ ‬تراهم‭ ‬يتكلمون‭ ‬باسم‭ ‬المثقف،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬عملهم‭ ‬يتضح‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬فهم‭ ‬يعملون‭ ‬لنفسهم‭ ‬ولمن‭ ‬يحيط‭ ‬بهم‭ ‬من‭ ‬مجاميع‭ ‬شللية،‭ ‬يبرزونهم‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬يتكلمون‭ ‬بفعل‭ ‬الثقافة‭ ‬ولكن‭ ‬الثقافة‭ ‬منهم‭ ‬براء،‭ ‬لأنهم‭ ‬في‭ ‬كفتي‭ ‬ميزان‭ ‬يميلون‭ ‬حيث‭ ‬تميل‭ ‬ريحهم،‭ ‬فجهاتهم‭ ‬مرتبطة‭ ‬بشلليات‭ ‬ذات‭ ‬وجوه‭ ‬واحدة،‭ ‬تتكرر‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬فيه‭ ‬تعيش‭ ‬بيننا‭ ‬وجوه‭ ‬صادقة‭ ‬لا‭ ‬تحمل‭ ‬من‭ ‬ألوان‭ ‬الزيف‭ ‬ما‭ ‬يخدع‭ ‬الآخرين،‭ ‬تعمل‭ ‬بصمت‭ ‬وتبدع‭ ‬في‭ ‬رسائلها‭ ‬الثقافية،‭ ‬ولا‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬نفسها‭ ‬بقدر‭ ‬انتمائها‭ ‬للآخرين،‭ ‬كونها‭ ‬سليمة‭ ‬القلب‭ ‬والروح،‭ ‬يذكر‭ ‬اسمها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬جهات‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬ويتحدث‭ ‬الآخرون‭ ‬عن‭ ‬إبداعاتها،‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬محيطها‭ ‬المحلي‭ ‬شبه‭ ‬معدومة‭ ‬الذكر،‭ ‬وهنا‭ ‬يطرح‭ ‬سؤال‭ : ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬نترك‭ ‬مجرى‭ ‬نهر‭ ‬الثقافة‭ ‬يسقي‭ ‬الجميع؟ a.astrawi@gmail.com

مشاركة :