التونسيون يصوتون عاطفيا لاختيار رئيس جديد

  • 10/14/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يحيل غياب برامج واضحة للمتنافسين للانتخابات الرئاسية التونسية التي ستعلن نتائجها صباح الاثنين، إلى أن عملية التصويت استندت بالأساس إلى مواقف عاطفية مبنية على “مظلومية” نبيل القروي و”ثورية” قيس سعيد. ويصف مراقبون تونسيون هذه الانتخابات بأنها “انتخابات شعارات لا مكان للعقل فيها”. وفاز قيس سعيد في الدور الثاني من انتخابات الرئاسة التونسية متقدما بفارق كبير على منافسه نبيل القروي، بحسب نتائج استطلاع للرأي نشر نتائجه التلفزيون الحكومي التونسي مساء الأحد. ووفقا لنتائج الاستطلاع الذي اجرته مؤسسة “سيغما كونساي” فقد نال سعيد 76,9 في المئة من الاصوات في حين حاز القروي 23,1 في المئة من الأصوات. ويبهر قيس سعيد أنصاره بخطابه “الشعبوي” الذي يعتمد على عربية فصحى لم يعتد التونسيون على سماعها من السياسيين الذين يختارون دائما مخاطبة الرأي العام باللهجة المحلية. واختار سعيد منذ إعلانه الترشح لخوض السباق الرئاسي مغازلة الخزان الانتخابي المحافظ، بعدما أعلن معارضته لمشروع قانون المساواة في الإرث الذي اقترحه الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي على البرلمان.ولا تدفع تصريحات سعيد الغامضة بشأن مشروعه السياسي والتي ازدادت غموضا بعد ظهوره في مناظرة تلفزيونية مع منافسه القروي مساء الجمعة، التونسيين المتعاطفين معه إلى مراجعة موقفهم. ولم يتوان سعيد في القول إن “دوره ليس تقديم الحلول، ولكن مساعدة الشباب على عرض أفكارهم ومشاريعهم ومرافقتهم في تحقيقها”. كما أن جزءا ممن اختاروا التصويت لسعيد شكلوا خيارهم انطلاقا من معارضتهم لخصمه نبيل القروي الذي بات كثيرون ينظرون إليه كـ”مراوغ” وهي الصورة التي تعززت أكثر بعد توقيفه نهاية أغسطس الماضي قبل أن يطلق القضاء سراحه الأربعاء الماضي. ويتبنى سعيد خطابا شبيها بخطاب حركة النهضة القائم على ثنائية “الثورة والثورة المضادة”. ووجه سعيد، الأحد، بعد أن أدلى بصوته، رسالة إلى كُل المواطنين وكل المواطنات في كل أنحاء العالم في تونس وخارجها، قائلا “إنكم اليوم تختارون بكل حريّة بل إنكم تستكملون الثورة”. وتابع سعيّد مخاطبا التونسيين “إنكم صنعتم مفهوما جديدا للثورة احتكموا إلى ضمائركم يا أحرار تونس ويا حرائرها ووقتها فقط ستعود السيادة إليكم وتخرج صرخاتكم.. وقتها فقط سيعلن التاريخ توبته وتجدون لكل سؤال جوابا”.ويصف مراقبون عملية التصويت على أنها معركة بين الشباب والشيوخ. فالشباب متأثر بالخطاب “الثوري” لقيس سعيد الذي يأمل أن يحقق جزءا من أهداف “الثورة” المتمثلة أساسا في التشغيل والنهوض بالوضع الاجتماعي رغم أن سعيد لم يقدم أي برامج يمكن تطبيقها لتحقيق تلك الأهداف، في حين تظهر كثير من مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تعاطف الشيوخ مع نبيل القروي خاصة في الأرياف والمناطق الداخلية المهمشة التي استهدفها القروي خلال السنوات الماضية عن طريق حملات خيرية. وكانت نسبة مشاركة الشباب في الموعدين الانتخابيين السابقين الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية وتلك النيابية ضعيفة لكن عددا منهم انتقلوا إلى العاصمة للتصويت لصالح قيس سعيد بعدما دعاهم للمشاركة بكثافة. وتشكلت حالة من الهوس بقيس سعيد لدى الشباب خاصة. وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي صورا لطلبة الجامعات ينتقلون في مجموعات بالحافلات رافعين صور المرشح قيس سعيّد. ويمنع القانون الانتخابي أن يخصص المرشحون وسائل نقل للناخبين من المناطق البعيدة من أجل إيصالهم لمراكز الاقتراع. ولم ينظم حزب القروي “قلب تونس” الذي حل في المرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية بـ38 مقعدا، رحلات لأنصاره، الأحد، فيما تقوم مجموعة من الشباب المتطوعين بحملة سعيّد المستقل والذي شكل حلوله في الصدارة في الدورة الأولى بـ18.4 في المئة “زلزالا انتخابيا”. كما بادر بعض سائقي سيارات الأجرة إلى تقديم خدمات دون مقابل لنقل الناخبين، على غرار بكري الذي يقل أنصار سعيّد من مدينة نابل (شرق) إلى العاصمة ويقول “أفعل ذلك من أجل بلدي وأدعم من يحمل الأمل لتونس”. وهو ما يفسر ارتفاع نسبة المشاركة في الفترة الصباحية مقارنة بالجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية. وأعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس أن نسبة المشاركة في التصويت بلغت 39.2 في المئة قبل ثلاث ساعات من إغلاق صناديق الاقتراع.وكانت نسبة المشاركة في الدورة الرئاسية الأولى التي جرت في 15 سبتمبر الماضي بلغت 16.3 في المئة نحو الساعة 13:00. ولرئيس البلاد في تونس صلاحيات محدودة بالمقارنة مع تلك التي تمنح لرئيس الحكومة والبرلمان. ويتولى ملفات السياسة الخارجية والأمن القومي والدفاع أساسا، ومع ذلك يرفع كلا المرشحين شعارات أكبر من صلاحيات الرئيس بكثير. ويسوق سعيد لفكرة الديمقراطية الشعبية في استعادة لتجارب ماركسية قديمة، لكن مراقبين يرون أن هذه الفكرة التي يبدو أنها أثارت حماس الشباب الداعم له لا يمكن لسعيد تطبيقها في ظل افتقاره لكتلة برلمانية داخل مجلس النواب إلا إذا حازت على دعم الكتل البرلمانية الكبرى، وهو أمر صعب التحقيق في ظل التشتت الذي أفرزته الانتخابات التشريعية. في المقابل يبني كثير من أنصار القروي موقفهم على التقارب المعلن بين قيس سعيد وحركة النهضة التي أعلنت دعمها له وبعض الشخصيات المعروفة بمواقفها المتطرفة داخل تونس وخارجها لعل أبرزها الداعية المصري وجدي غنيم. ويرى هؤلاء أن سعيد هو عبارة عن مرزوقي (الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي) جديد في القصر سيسهّل سيطرة النهضة على البلاد، ما يثير مخاوف من عودة سيناريو الانفلات الأمني الذي شهدته البلاد في السنوات الأولى لحكم الترويكا. وتعرض عضو بحملة نبيل القروي بمدينة الحامة جنوب شرق البلاد، إلى اعتداء جماعي بالعنف، يتهم أنصار سعيد بتنفيذه وهو ما ذكر بسيناريو لطفي نقض، القيادي بحركة نداء تونس بمدينة تطاوين الذي تعرض إلى اعتداء من قبل مناهضين للنظام السابق سنة 2012 أي بعد أشهر قليلة من تولي النهضة وشركائها للحكم. وركز القروي الذي أطلق القضاء سراحه قبل يومين فقط من الصمت الانتخابي، أغلب خطابه على تبرئة نفسه من التهم التي وجهت إليه وحاول جاهدا تصوير نفسه كمظلوم تم الزج به في السجن بموجب قرار سياسي وليس قضائيا، لمنعه من خوض الانتخابات.وعمل منذ خروجه من السجن على استعطاف التونسيين لإبراز نفسه كمنقذ لهم تمنع جهات سياسية وصوله إلى الحكم، مهمشا الحديث عن برنامجه الانتخابي. وحاول أيضا استحضار الصراع الأيديولوجي الذي طبع انتخابات 2014 بين ما يسمى بالحداثيين والإسلاميين مستثمرا دعم النهضة والسلفيين لسعيد. وقال القروي، الأحد، “اليوم لدينا فرصة ألا نتركهم يأخذون انتخاباتنا. فرصة ألا نترك تونس التي نحبّها. تونس الحداثة التي ترحم المرأة، تونس التي ترحم الزوّالي (الفقير)”. وأضاف “تونس التي نريدها هي تونس التي يحلم فيها أبناؤها بالحصول على عمل ولا يذهبون إلى الحرقة (الهجرة غير الشرعية)”. وتابع “تعرضنا لعملية تحيّل على الانتخابات” في إشارة إلى سجنه من 23 أغسطس الماضي إلى الأربعاء الماضي. ويقول مراقبون إن سجن القروي وإثارة ملفات متعلقة بالفساد والتهرب الضريبي ساهمت بشكل كبير في تراجع شعبيته، حيث تعكس آخر نتائج سبر للأراء نشرت في شهر يونيو الماضي تقدمه على جميع منافسيه. ويقول المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي إن “الرئيس القادم سيواجه صعوبات مع الحكومة والبرلمان”. ويتابع “إذا تمكن سعيّد من الفوز فستصعب عليه عملية إقناع البرلمان بالإصلاحات الدستورية التي يدعو إليها”. ويضيف الجورشي “يجب أن يتفهم (الرئيس المقبل) طبيعة المرحلة القادمة ويخلق توازنا مع من سيشكل الحكومة”، مشيرا إلى أن القروي يقيم “علاقات متوترة مع كتل برلمانية عديدة بما فيها النهضة”.

مشاركة :