اختتمت في الأول من أكتوبر الجاري فعاليات النسخة الثالثة من منتدى «الإرهاب والتدخلات الإقليمية وآثارها على الأمن العربي والإفريقي»، الذي نظمه كل من «مجلس التضامن المصري والعربي» برئاسة الدكتور زين السادات، و«المعهد الثقافي الإفريقي» برئاسة الدكتور محمد الصوفي، و«الاتحاد الإفريقي»، وأقيم برعاية وزارة الثقافة المصرية، وذلك بهدف وضع استراتيجية عربية وإفريقية موحدة لمعالجة آفة الإرهاب في مختلف الدول. رأَس المنتدى السفير محمد العرابي وزير الخارجية المصري الأسبق، وشارك فيه نخبة متميزة من المسؤولين والمتخصصين العرب والأفارقة، الذين يمثلون أكثر من 16 دولة عربية وإفريقية. وتحدث فيه نبيل الحمر مستشار جلالة الملك لشؤون الإعلام، وعبدالله منصور نائب رئيس البرلمان بمالي، ومحمد أبو حمور وزير المالية الأسبق بالأردن، والدكتور محمد أبو كلل مسؤول تيار الحكمة في العراق، وحذيفة عبدالرحيم الأمين العام لمجلس الشباب العربي والإفريقي، وعبداللطيف عبيد وزير التربية الأسبق في تونس، وحضره عدد من الوزراء والبرلمانيين، ورؤساء لجان الشؤون السياسية والعلاقات الدولية في البرلمانات العربية، إلى جانب العديد من الأكاديميين والباحثين والإعلاميين. في البداية، أكد السفير محمد العرابي أن المنتدى هذا العام يركز على مكافحة الإرهاب من خلال دراسة أسباب انتشاره وكيفية مواجهته بالثقافة والفكر من خلال جلستين: الأولي تتناول التحديات الثقافية والأمنية والاقتصادية في الدول العربية والإفريقية، والثانية تناقش التحديات الخارجية التي تواجه الدول العربية والإفريقية وخاصة تدخلات بعض الدول الإقليمية في الشأنين العربي والإفريقي، مشيرا إلى أنه يأتي في توقيت مهم بالنسبة إلى إفريقيا والوطن العربي في ظل التدخلات المتكررة من دول الجوار كتركيا وقطر. وشدد العرابي على أن الإرهاب يستخدم حاليا أساليب مختلفة لزعزعة الاستقرار في الدول العربية والإفريقية، ولهذا السبب عقد المنتدى تحت رعاية وزارة الثقافة، داعيا إلى ضرورة مواجهة ظاهرة تدخل دول إقليمية في شؤون بعض الدول العربية والإفريقية، والحد منها بكل الطرق وخاصة بالفكر، مضيفا أن «مصر مازالت وستظل البلد الذي يحتضن أي عمل جماعي إقليمي وعربي وإفريقي، يمثل وحدة التضامن والفكر والاستراتيجية لمعالجة آفة الإرهاب». من جانبه، قال الدكتور زين السادات إن المنتدى يعد استكمالا للنسختين السابقتين اللتين عقدتا العام الماضي بمصر والعراق، ويأتي في ظل توترات شديدة في المنطقة وتزايد تدخلات عدد من الدول المجاورة في الشأن العربي لبعض الدول بهدف زعزعة الأمن والاستقرار لخدمة مصالحها وأهدافها ودعمها لمليشيات مسلحة وجماعات إرهابية للقيام بعمليات تخريبية وتدمير الاقتصاد وخلق روح الفتنة. في حين أشار المستشار نبيل الحمر إلى أن الإسلام السياسي هو لب المشكلة الأساسية التي يعاني منها العالم العربي، وأن المنطقة تمر بأزمة كبيرة عانت منها جميع دولها، وخاصة الخليجية؛ نتيجة للتدخلات الإيرانية في شؤونها الداخلية ودعمها المستمر للتنظيمات الإرهابية تحت مسميات مختلفة، مطالبا بضرورة اتخاذ موقف عربي موحد تجاه هذه التدخلات وضرورة إيجاد تصورات لكيفية وقفها، وخاصة أن إيران تستغل بعض الأحزاب والجماعات السياسية المتطرفة في سياستها التوسعية، مؤكدا أن «الشعوب والدول العربية والإفريقية تتعرض لتدخلات إقليمية ودولية كنتيجة حتمية للصراعات التي مرت بها المنطقة منذ بدايات القرن الماضي حتى يومنا هذا، وكذلك لأهمية هذه المنطقة، الأمر الذي جعلها عرضة للأطماع الإقليمية والدولية». وبيَّن الحمر أن الأمن القومي العربي والإفريقي يواجه العديد من التحديات والمخاطر التي تمس مباشرة استقلالية الدول وتقدم شعوبها، ورغم اليقظة والحيطة فإن هناك جهات متعددة سعت ولا تزال تسعى للتدخل في شؤون المنطقة، مؤكدا أن قيام مجلس التعاون الخليجي كان بحد ذاته استشعارا مبكرا لهذه المخاطر وسعيا إلى مواجهتها، ونوه إلى أن التحديات والمخاطر التي تواجه المنطقة تنقسم إلى قسمين: داخلية إقليمية وخارجية دولية، وهذا لا يعني أنه لا شأن لأمر بالآخر، فكل التحديات والمخاطر هي على اتصال وتواصل وتشابك ويتغذي بعضها الآخر. من ناحيته، قام الدكتور محمد أبو كلل بسرد التجربة العراقية، مشيرا إلى أن العراق انتصر على الإرهاب عسكريا، وأنه مستعد لوضع تجربته أمام العالم، لكن الفكر الحاضن له لا يزال حاضرا، منوها إلى أن المعركة فكرية، وأن منطقتنا العربية تعاني حاليا من تدخلات عديدة في شؤوننا الداخلية، وأن من أهم عوامل النصر على الإرهاب هو التعاون الاستخباراتي وتبادل المعلومات. أما الدكتور عبداللطيف عبيد فقد أشار إلى أهمية تحصين الهوية الثقافية ودورها في مكافحة الإرهاب والتصدي للتدخلات الأجنبية؛ مؤكدا أن للأمن القومي عناصر ومكونات عديدة، يعد المكون الثقافي إحداها، وأن الثقافة العربية والإسلامية مكونة لثقافة شعوب عربية وإفريقية كثيرة، مشيرا إلى أن المشاركات الثقافية بين العرب والأفارقة تعد من ضرورات التعاون والتكامل والتضامن بينهما، وأنه قد حدث للمجتمعات العربية اختراق ثقافي نتج عنه ظاهرة الإرهاب نتيجة لعدم التنشئة الاجتماعية والثقافية الصحيحة وعدم مناعة الهوية، ما أدى إلى انتشار الظاهرة والتسهيل لها من خلال التعليم الديني المتشدد والمناهج التربوية المتشددة، الموجودة في بعض البلدان العربية. أما الأستاذ عبدالله منصور فقد نوَّه إلى أهمية مكافحة التطرف الذي يعد من أخطر الأمراض في المجتمعات، إذ يقتل روح التسامح بين الناس، مؤكدا أنه لا يجب الاقتصار فقط على الجهود الأمنية المبذولة لمكافحته، بل لا بد من نشر وتعزيز قيم التسامح بين كافة جميع شرائح وفئات المجتمع في جميع النواحي، موضحا أن التسامح لا يترك مجالا للغلو والتطرف، ويحقق أرضية للحوار والتفاهم بين الديانات والثقافات المختلفة، ويسعى إلى تحقيق الاستقرار والأمن الاجتماعي، لأنه يشكل حاجزا قويا ضد كل نزاعات العنصرية والتمييز والتفرقة. بدوره، أشار «محمد أبو حمور» إلى ضرورة وضع خطة لمعالجة مشكلة الإرهاب قبل أن نصبح جزءا من خطة الآخرين، مشددا على ضرورة وضع استراتيجية لتجفيف منابعه والتضييق على انتقال حركة الأموال الداعمة له، مع التركيز على معالجة المشاكل الاقتصادية، موصيا بضرورة التقدم لملء الفراغ الخدمي الذي كونته الجماعة الإرهابيةوالتي كونت رأسمال سياسي من رصيد اجتماعي والتعاون على المستوى الإقليمي لمكافحته، وتبني حملة دبلوماسية وسياسية مدعمة بالمعلومات والأدلة والاستعانة بخبراء فن التعامل مع الأمم المتحدة في هذا الشأن. واختتمت الندوة بعديد من المداخلات، منها مداخلة الدكتور «أحمد الشربيني»، الذي أكد مشكلة توظيف الإرهاب في التدخلات الإقليمية، مشيرا إلى أن لها ثلاثة أشكال؛ الأول: لجوء جماعة لعمل تنظيم إرهابي، أي المساعدة في إنشاء عدد من التنظيمات الإرهابية، وتنظيم القاعدة أبرز مثال لهذا الشكل، والثاني: استخدام دول لكيانات وتنظيمات موجودة من قبل، وأبرز نموذج لذلك إيران وتركيا؛ إذ تأتي الأخيرة بالعناصر الإرهابية لتساعدها على دخول سوريا، وتدعم شبكات تهريب النفط، وتستضيف المصابين من التنظيم وتعالجهم في المستوصفات الخاصة، منها مستشفيات تابعة لحزب العدالة والتنمية، بينما تستضيف إيران نظام طالبان منذ انهيار النظام في أفغانستان عام 2002، فضلا عن المعسكرات الإرهابية الموجودة على أراضيها مثل تنظيم أنصار الإسلام في المنطقة الكردية وتنظيم التوحيد والجهاد، والشكل الثالث: يتمثل في توفير الغطاء السياسي كما تفعل قطر في ليبيا والصومال لعدة أسباب؛ هي إطالة أمد الإرهاب، والتأثير على معدلات التنمية، والعمل على انتشار الجريمة المنظمة، وتجارة المخدرات، والهدف منه إضعاف الدولة المركزية حتى تكون دولة فاشلة. فيما قدم اللواء محمود خليفة في مداخلته عدة توصيات تلخصت في أهمية إحكام السيطرة على الحدود بين الدول لغلق منابع الإرهاب المتمثلة في تهريب السلاح والمخدرات، وضرورة الارتقاء بالثقافة العامة في الدول العربية وليس الدينية فقط، وذلك للارتقاء بالوعي، مؤكدا أن التنمية الشاملة مهمة في توفير الاحتياجات الأساسية لكل مواطن عربي وإفريقي بما يضمن عدم استقطابه وتجنيده تحت بند العوز أو الحاجة، مشيرا إلى أهمية الاتفاق على خطاب إعلامي موحد لتعريف الإرهاب وأسلوبه وسبل مواجهته، وأنه لا بد من الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية الموجودة في دولنا لتحقيق هدفين؛ أولهما: منع الاستغلال الأجنبي لثرواتنا، وثانيهما: توفير الاحتياجات المطلوبة لشعوبنا. وفي النهاية، اختتم المنتدى أعماله بعدة توصيات منها: - إدانة الاعتداءات الجبانة على المنشآت النفطية بالمملكة العربية السعودية، واعتبارها بادرة خطرة لا تؤثر على المملكة فحسب بل على الأمن العربي والإفريقي، بما تمثله من تدخل خطير في الشؤون الداخلية للدول. - تشكيل لجنة للتصدي لهذه التدخلات تحت قيادة الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي، على أن ترفع توصيات المنتدى إلى الجهات المعنية بالدول ذات الشأن عبر القنوات الشرعية. - توجيه التحية والدعم لحكومة مصر في مواجهة الحملات الشعواء التي يشنها بعض المغرضين، الذين تؤويهم دول إقليمية وتستخدمهم في أجندتها، والتوصية بكيفية تعزيز قدرات المؤسسات الأمنية على مكافحة الإرهاب. - تحديد عدد من الدروس المستفادة للدول العربية والإفريقية من واقع الخبرات الدولية ومواجهة التدخلات الإقليمية لبعض الدول في الشأنين العربي والإفريقي، وحسم العلاقة الجدلية بين مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان. - تأسيس شراكة مع المجتمع المدني وخاصة الشباب والمرأة، والتي تعد شريكًا مهما في عملية مكافحة الإرهاب؛ لرفع وعي الشباب بخطورة الإرهاب، وتعزيز دوره في توعية أقرانه. - إنشاء مركز دولي لمواجهة الأزمات وخصوصا على المستويين العربي والإفريقي، ودعوة الحكومات والنخب العربية والإفريقية إلى وضع آليات تنفيذية لتوصيات المنتدى.
مشاركة :