العدوان الأمريكي أو حتى المشروع الأمريكي ما بعد صدام ترك العراق على بوابات جحيم، وهو الذي بشرهم بديمقراطية وتعددية وبرلمانات وحريات لم شهدوها. لكنه أسلم العراق لأحزاب التشيع السياسي التي تناسلت منها العديد من المليشيات المسلحة التي تغولت بسلاحها على الشعب العراقي، فيما كان السياسيون المحترفون يبحثون لهم لا للشعب عن قطعة من كعكة العراق. وهكذا ضاع العراق حتى تفجر الغضب الشعبي من الشيعة المسحوقين والمصدومين في ذات الوقت بل من الشيعة البسطاء المفجوعين بنتائج حكم حكومات التشيع السياسي وانعكاساتها المريرة على حياتهم التي ازدادوا فيها فقرًا على فقر وجوعًا على جوع، فتمزقت القاعدة الشعبية الأوسع في العراق. وهو غضب شعبي قد يُقمع وقد يُمنع ولكن إلى حين وإلى وقت محدود يحدد السلاح الذي ينفع يومًا في عودة الشعب إلى مربع الجحيم أبدًا. وتزامنًا مع غضب الشعب العراقي، يبدأ التركي المسكن بهم التوسع العثماني عدوانه على سوريا في استنساخ للمشروع الأمريكي، ولكن بصيغة أردوغانية ماكرة. لم يستفد أردوغان من النتائج المريرة للمشروع الأمريكي في العراق، فجاء بنسخة يافطتها «سنية» ويدفع بها وهم التتريك وهم استعادة الماضي العثماني. وقد تكون هناك صفقة سياسية بعد العدوان التركي، يراهن عليها أردوغان ويطمح إليها باحتلال جزء من سوريا مضافًا إلى احتلال قم «لواء الإسكندرون» السوري العربي، ليستطيع أردوغان نفسه أن يلعب به ورقةً انتخابية ضد منافسيه، لاسيما وإن قيادات في حزبه قد انشقت وراحت لتؤسس أحزابها وستكون منافسةً مضافةً إلى منافسيه. أردوغان جاء بعدوانه ضد الأكراد ويواصل إلى منفى وسجون الداعشيين، بما يضمن له وجودًا خارج وجود النفوذ الايراني في سوريا، وبما يجعل الصفقة تاليًا مقبولةً إلى حدٍ كبيرٍ من ايران، فينجح في «تحييد» النظام الايراني المتواجد بقوة في سوريا. وسيبدأ بعدها بتقديم «ضمانات» غير مضمونة للأوروبيين والأمريكيين وسيقدم لهم إغراءات اقتصادية في مناطق نفوذه داخل سوريا حتى يغضوا الطرف عن احتلاله، ويتيحوا له فرصة القضم، التي يعتبرها مكافأة لتركيا أردوغان على حيادها وصمتها طوال السنوات الماضية التي كان فيها النظام الايراني يتمدد في الأراضي السورية، ويقدم للأوروبيين ما يطمعون إليه في سوريا ولا يزعج الأمريكي في تفاهمات ذهبت سوريا ضحيتها، لاسيما وإن حكومة بشار قبلت وتقبل بما يجري على أراضيها من الأجنبي، فقط اذا ضمن لها الأجنبي بقاءً في الحكم ولو صوريًا. هي المحاصصة الطائفية إذن، لنا هنا ولكم هناك، يطرحها أردوغان بمكرٍ خارج أراضيه بل بأسلوب الغازي العثماني الذي يضم أراضي ليست له ومن بلادٍ أخرى. وتتلاقى وتتقارب بانسجام أحلام الفارسي في التوسع خصوصًا في الأراضي العربية بأحلام العثماني في التوسع داخل البلاد العربية، ليعزز بها الاحتلال لأن الفارسي الصفوي والعثماني التركي مواقعه في حكم الداخل وفي بلاده. تلك لعبة لكنها ليست لعبة الأمم القديمة، بل هي أقدم كثيرًا فهي ممزوجة بلعبة الاحتلال وبلعبة الطائفية او بالأدق باسم الطائفية التي في النهاية تخدم فئاتٍ من الطائفة على حساب السواد الأعظم من طائفتها كما حدث ويحدث في العراق الآن. هل هو الهلال الشيعي إذن بنجمة صغيرة «سنية» تركية غير عربية، أم هي استراتيجية الايديولوجيا التوسعية تحركها أوهام استعادة أمبراطوريات سادت ثم بادت. لعلها كل هذا وذاك، ولعلها تكون أسوأ في زمن مرتبك اختلط حابل الطائفية فيه بنابل السلاح.
مشاركة :