في ذكرى ميلاد أمير الشعراء أحمد شوقي، نتذكر مبايعته كأمير للشعراء وكواليس هذه المبايعة التي ضمت أسماء وقامات من الشعراء في ذلك الوقت.فى عام 1926 تمت مبايعة أمير الشعراء أحمد شوقى، خلال مهرجان أقيم فى القاهرة، شارك فيه شعراء من لبنان والعراق وسوريا وفلسطين والحجاز واليمن، وقال حافظ إبراهيم يخاطب شوقى: "أمير القوافى قد أتيتُ مبايعًا وهذى وفود الشرق قد بايعت معى".كان من ضمن الشعراء المبايعين خليل مطران، وحافظ إبراهيم، وأمين نخلة، وشبلى ملاط.وشاع أن حافظ ألقى قصيدة المبايعة أمام أحمد شوقي فلم يتمالك «شوقي» نفسه فنهض من بين الحاضرين، واحتضن «حافظا» وقبله، وكان موقفا مؤثرًا انحدرت فيه دموع الشاعرين الكبيرين.فى كتاب "زعماء وفنانون وأدباء" تحدث كامل الشناوى، وهو واحد من كبار شعراء مصر فى القرن العشرين، عن هذه المبايعة، التى أحيطت بها ضجة، لم تمنع كثيرين من استنكارها مع اعترافهم بمكانة أحمد شوقى وشاعريته الفذة، وقد أعدت جريدة السياسة الأسبوعية عددًا خاصًّا عن أحمد شوقى، امتلأت صفحاته بحملات شديدة تناولت شعر أحمد شوقى، وتصرفاته، وأخلاقه، وصدر العدد فى أيام المهرجان.ويشير كامل الشناوى، على سبيل المثال إلى أن الشاعر محمد الهراوى غضب لأن لجنة المهرجان تجاهلته ولم تدعه لإلقاء قصيدة، وكان من المعجبين بأمير الشعراء أحمد شوقى، فثار عليه ونظم أبياتًا قال فيها:هو فى أعينكم ملك لعلَّهوهى جمهورية لا ترى محلهليس منَّا شاعر لم يكن أجلهغير أنا معشر ليس يرضى ذلهكيف نلقى هامنا حيث يلقى نعلهويقول كامل الشناوى: "وهكذا تمت مبايعة شوقى أميرًا للشعراء أو ملكًا أو رئيس جمهورية فى جو مشحون بالحب والبغضاء، والرضا والغضب. وقد فرح أحمد شوقى بهذه المبايعة، فمن عيوبه أنه كان مولعًا بالقشور، يحب الثناء ويخاف من النقد، ويستهويه إطراء شعره، وتلقيبه بأمير الشعراء، ومناداته بيا «باشا»! وهى عيوب بيضاء، قد تنال منه كإنسان، ولكنها لن تنال منه كشاعر عظيم عبقرى.ولد أحمد شوقي بحي الحنفي بالقاهرة في 20 رجب 1287 هـ الموافق 16 أكتوبر 1868، لأب شركسي وأم يونانية تركية ، وفي مصادر أخرى يذكر أن أباه كردي وأمه من أصول تركية وشركسية، وبعض المصادر تقول إن جدته لأبيه شركسية وجدته لأمه يونانية. وكانت جدته لأمه تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل، وعلى جانب من الغنى والثراء، فتكفلت بتربية حفيدها ونشأ معها في القصر. لما بلغ الرابعة من عمره التحق بكُتّاب الشيخ صالح، فحفظ قدرًا من القرآن وتعلّم مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحق بمدرسة المبتديان الابتدائية، وأظهر فيها نبوغًا واضحًا كوفئ عليه بإعفائه من مصروفات المدرسة، وانكب على دواوين فحول الشعراء حفظًا واستظهارًا، فبدأ الشعر يجري على لسانه. حين بلوغه سن الخامسة عشرة التحق بمدرسة الحقوق، وذلك سنة (1303هـ/1885م)، وانتسب إلى قسم الترجمة الذي كان قد أنشئ بها حديثًا، وفي هذه الفترة بدأت موهبته الشعرية تلفت نظر أستاذه الشيخ محمد البسيوني، ورأى فيه مشروع شاعر كبير.بعد ذلك سافر إلى فرنسا على نفقة الخديوي توفيق، وقد حسمت تلك الرحلة الدراسية الأولى منطلقات شوقي الفكرية والإبداعية، وخلالها اشترك مع زملاء البعثة في تكوين (جمعية التقدم المصري)، التي كانت أحد أشكال العمل الوطني ضد الاحتلال الإنجليزي. وربطته حينئذ صداقة حميمة بالزعيم مصطفى كامل، وتفتّح على مشروعات النهضة المصرية.طوال إقامته بأوروبا، كان فيها بجسده بينما ظل قلبه معلقًا بالثقافة العربية وبالشعراء العرب الكبار وعلى رأسهم المتنبي. لكن تأثره بالثقافة الفرنسية لم يكن محدودًا، وتأثر بالشعراء الفرنسيين وبالأخص راسين وموليير.لشوقي الريادة في النهضة الأدبية والفنية والسياسية والاجتماعية والمسرحية التي مرت بها مصر، أما في مجال الشعر فهذا التجديد واضح في معظم قصائده التي قالها، ومن يراجع ذلك في ديوانه الشوقيات لا يفوته تلمس بروز هذه النهضة؛ فهذا الديوان الذي يقع في أربعة أجزاء يشتمل على منظوماته الشعرية في القرن الثامن عشر وفي مقدمته سيرة لحياة الشاعر وهذه القصائد التي احتواها الديوان تشتمل على المديح والرثاء، والأناشيد والحكايات والوطنية والدين والحكمة والتعليم والسياسة والمسرح والوصف والمدح والاجتماع وأغراض عامة.لقد كان الشاعر يملك نصيبًا كبيرًا من الثقافتين العربية والغربية، كما أفادته سفراته إلى مدن الشرق والغرب. يتميز أسلوبه بالاعتناء بالإطار وبعض الصور وأفكاره التي يتناولها ويستوحيها من الأحداث السياسية والاجتماعية، وأهم ما جاء في المراثي وعرف عنه المغالاة في تصوير الفواجع مع قلة عاطفة وقلة حزن، كما عرف أسلوبه بتقليد الشعراء القدامى من العرب وخصوصًا في الغزل، كما ضمن مواضيعه الفخر والخمرة والوصف، وهو يملك خيالًا خصبًا وروعة ابتكار ودقة في الطرح وبلاغة في الإيجاز وقوة إحساس وصدقا في العاطفة وعمقا في المشاعر. منح شوقي موهبة شعرية فذة، وبديهة سيالة، لا يجد عناء في نظم القصيدة، فدائمًا كانت المعاني تنثال عليه انثيالًا وكأنها المطر الهطول، يغمغم بالشعر ماشيًا أو جالسًا بين أصحابه، حاضرًا بينهم بشخصه غائبًا عنهم بفكره؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية؛ إذ بلغ نتاجه الشعري ما يتجاوز ثلاثة وعشرين ألفا وخمسمائة بيت، ولعل هذا الرقم لم يبلغه شاعر عربي قديم أو حديث.كان شوقي مثقفًا ثقافة متنوعة الجوانب، فقد انكب على قراءة الشعر العربي في عصور ازدهاره، وصحب كبار شعرائه، وأدام النظر في مطالعة كتب اللغة والأدب، وكان ذا حافظة لاقطة لا تجد عناء في استظهار ما تقرأ؛ حتى قيل بأنه كان يحفظ أبوابًا كاملة من بعض المعاجم، وكان مغرمًا بالتاريخ يشهد على ذلك قصائده التي لا تخلو من إشارات تاريخية لا يعرفها إلا المتعمقون في دراسة التاريخ، وتدل رائعته الكبرى "كبار الحوادث في وادي النيل" التي نظمها وهو في شرخ الشباب على بصره بالتاريخ قديمه وحديثه.كان ذا حس لغوي مرهف وفطرة موسيقية بارعة في اختيار الألفاظ التي تتألف مع بعضها لتحدث النغم الذي يثير الطرب ويجذب الأسماع، فجاء شعره لحنًا صافيًا ونغمًا رائعًا لم تعرفه العربية إلا لقلة قليلة من فحول الشعراء.
مشاركة :