يبدو أن تركيا فقدت سيطرتها على سياستها الداخلية والخارجية، ويظهر أنها تريد تصدير أزمتها الداخلية للخارج من خلال اجتياحها شمال شرق سورية، واحتلال الأراضي التي يقطنها الأغلبية الكردية، وكأن الاستعمار العثماني للدول العربية يطل برأسه من جديد ولكنه بوجه آخر، حيث شنت القوات التركية هجوماً واسعاً، في 9 أكتوبر الجاري، على منطقة شمال شرق الفرات في سورية ووفقاً لتقارير مختلفة، فإن أردوغان أجرى اتصالات عديدة مع واشنطن وموسكو كما أخبر الحكومة السورية بالعملية رسمياً. ورغم المعارضة الدولية للعملية وإدانة الجامعة العربية للعدوان التركي على سورية ورفض "قسد" الموقف الأميركي تجاهها مطالبة بإقامة منطقة حظر جوي، تشير التقارير إلى أن أنقرة حملت مسؤولية تفشى الإرهاب. وأكد تقرير لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة بدولة الإمارات بدأت عملية الهجوم بالضربة الأولى بقذائف جوية من طائرات "إف 16" من القاعدة الثامنة في منطقة ديار بكر التركية على منطقتي رأس العين والقامشلي وأظهرت التقارير حشداً عسكرياً تركياً ضخماً يعكس نيات أنقرة لاحتلال منطقة واسعة للغاية على الحدود ربما تصل إلى ما قد يتجاوز عمق المساحة المعلن بـ 30 كلم، بزعم توطين ملايين اللاجئين السوريين فيها. كما تعكس التقارير أيضاً عدم قدرة قوات "قسد" على صد الضربة الأولى من الهجوم المدفعي والجوي، وانهيارها في المواقع المستهدفة في رأس العين، لكن في أعقاب الضربة الأولى تمكنت من إطلاق قذائف على بعض المناطق التركية، وسوف تفرض العملية العسكرية التركية تأثيرات عديدة منها عملية نزوح واسعة للمدنيين في المناطق التي شهدت الهجمات التركية، وانهيار المسار السياسي فإطلِاق العملية العسكرية بينما تجري الاستعدادات لاجتماعات خاصة باللجنة الدستورية، ومن المتصور أنها ستلقي بظلالها على العملية السياسية، وهو ما أشارت إليه موسكو على وجه التحديد باعتبارها الطرف الذي قاد حوارات استانة، وكذلك إعادة تموضع مزدوج فالتوغل التركي اقترن بمشاركة قوات ما يسمى بـ "الجيش الوطني الموحد"، المكون من قوات المعارضة السورية المسلحة وقوامها تقريباً حوالي 14 ألف عنصر، ويعتقد أنها سوف تمارس دوراً في إطار العملية العسكرية، وقد يكون إطلاق الآلاف من عناصر "داعش" أحد انعكاسات تلك العملية، فحسب تقارير لـ "قسد"، هناك 10 آلاف "داعشي" محتجزين لديها في مراكز اعتقال مختلفة، ولا توجد ضمانات بإمكانية السيطرة على انتشار هذا العدد من عناصر "داعش" في ظل هذه العملية. والعملية التركية قد تغير خريطة التحالفات فيبدو أن التنسيق الأميركي - الكردي انهار تماماً، وسيكون من الصعب إعادة تفعيله، في ظل موقف الأكراد المعلن من القرار الذي اتحذته الولايات المتحدة. وبين التقرير من المتصور أن هناك عدة سيناريوهات محتملة سيتوقف كل منها على التطورات الميدانية وشكل ونمط التحرك التركي في شرق الفرات: الأول، أن تكون العملية العسكرية محدودة، وهو السيناريو الأكثر ترجيحاً في ظل عدة محددات منها أنه قد يحدث تراجع تركي إلى خط المنطقة الآمنة الافتراضية في إطار الضغوط الدولية. والثاني، أن يتطور التوغل إلى عملية واسعة، وهو سيناريو أقل ترجيحاً وأكثر كلفة. لكن قد لا يكون من المستبعد أن تحاول تركيا تحقيق أهدافها من العملية عبر الانتشار في شرق الفرات على عمق واسع ربما يتجاوز حدود المنطقة الآمنة التي تريدها، والثالث، أن تتوسع العملية ثم تتراجع تدريجياً، وذلك في الحدود المقبولة من جانب القوى الدولية، بعد أن تستعرض تركيا قوتها ضد الأكراد وتؤكد من خلالها أنها قد تعود للتوسع مرة أخرى في حال تعرضها، حسب مزاعمها، لأي تهديد، وربما قد تلجأ إلى ذلك كمظهر للاهتمام باستيعاب المواقف الدولية.
مشاركة :