كيف يمكن لنا أن نفهم ردود فعل الشارع الجزائري على الانتخابات الرئاسية التونسية التي فاز فيها المرشح المستقل قيس سعيّد ولم يفرض فيها بالقوة أحد ممثلي الأحزاب التقليدية التونسية أو أحد أقطاب السلطة القدامى؟ وماذا تعني هذه الانتخابات للجزائريين الذين يتذكرون باستمرار إجهاض المرحلة الثانية من الانتخابات التشريعية الجزائرية التي كان يمكن أن تكون حدثا وطنيا على طريق التمهيد لبناء مشروع الدولة الديمقراطية الحديثة وتأسيس ثقافة التعددية السياسية في الجزائر؟ وما هو شعور الجزائريين تجاه مناخ الانسداد السياسي الذي يحتمل أن تعمقه أكثر الانتخابات الرئاسية التي ستجري في 12 ديسمبر القادم في ظل رفض الحراك الشعبي لها قبل تعديل الدستور والقضاء على رموز النظام الفاسد وعلى الثقافة السياسية الأحادية؟ وفي الواقع فإن علاقة الجزائريين بالشأن التونسي هي علاقة محكومة بروابط الجغرافيا والتاريخ واختلاط الدم والشراكة في الجذر الثقافي والروحي وبتراث الكفاح التحرري ضد الاستعمار. على ضوء هذه الخلفية فإن أي حدث سياسي في تونس يعامل جزائريا كحدث مشترك بين البلدين الشقيقين، وهكذا ندرك أن الاهتمام الجزائري بالانتخابات التونسية ليس مجرد متابعة محايدة لها، وإنما له دلالات جدية تتعلق بمصير العلاقات بين الشعبين مستقبلا، وبما سوف تكون لنتائج هذه الانتخابات من تأثيرات على الواقع السياسي المغاربي بشكل خاص، وقضايا دولية أخرى بشكل عام. من الملاحظ أنه منذ انطلاق الانتخابات الرئاسية التونسية كان الشارع الجزائري يتابع زخم نشاطاتها عن كثب، ويحاول أن يقرأ تضاريسها وما سوف تتمخض عنه من نتائج تتصل بعاملين. يتمثل الأول في مدى ما ستحققه من مضمون التحول الذي أنجزته تونس ودشنت به الربيع العربي، ويتمثل العامل الثاني في مستقبل التعددية السياسية والحريات والانتقال من طور حكم الحزب الواحد إلى طور تداول الحكم ضمن إطار الإرادة الشعبية ومناخ الانتخابات الشفافة التي يقرر فيها الشعب مصيره بنفسه. لا شك أن مبادرة العمل بتقليد المناظرات التي خاضها المرشحون التونسيون مباشرة على الفضائيات التونسية قد استقبلها المواطنون الجزائريون بكثير من الإعجاب، لأنها تمثل عندهم بداية لتغليب سلطة الحجة التي تتبلور في النقاش بين المنافسين على حجة السلطة التي كانت تفرض بالقوة. والجدير بالذكر أن الحراك الشعبي الجزائري قد قام بدعوة الجزائريين على مستوى مختلف وسائل الإعلام المنفلتة من رقابة النظام، وفي مقدمتها فيسبوك وتويتر ويوتيوب، إلى العمل بهذا الأسلوب التونسي وجعله فضاء تتم فيه بلورة مشاريع الدولة المختلفة، وتقدم خلاله التصورات المتنوعة لحل الأزمات بمختلف أنواعها وطنيا وإقليميا ودوليا. أثناء المناظرات التونسية أصدرت السلطات الجزائرية قرارا انفراديا يقضي بإجراء الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر القادم دون تنفيذ مطالب الحراك الشعبي وشرائح المعارضة الحقيقية أوّلا، وهو ما يتناقض مع الحوار الهادئ بين المرشحين للرئاسيات التونسية في إطار المناظرات التي بثتها وسائل الإعلام التونسية دون رقابة. في هذا المناخ أحس الجزائريون أن قرار فرض الانتخابات قبل التخلص من رموز النظام الفاسد ومن أجهزة القمع والكبت قد ألقى بظلاله الثقيلة على ما تبقّى من شظايا الأمل في إجراء انتخابات رئاسية جزائرية حرّة ونزيهة ونموذجية، تكون عيدا ديمقراطيا يعيد الثقة للمواطنين في الجزائر، ويمكن أن تؤدي في المستقبل إلى القضاء على ثقافة الحكم الفردي المفروض بالقوة منذ الاستقلال إلى اليوم. إلى جانب ثناء الشارع الشعبي الجزائري على مناظرات المرشحين التونسيين، فقد كانت مفاجأة فشل الأحزاب التونسية التقليدية في تحقيق أي نتائج حاسمة لصالحها وعلى حساب المرشحين المستقلين، وفي المقدمة قيس سعيّد الذي فاز بمنصب رئيس الجمهورية التونسية، بمثابة بارقة ضوء بالنسبة للجزائريين. هذا ويلاحظ أن أهم حدث جوهري آخر شدّ انتباه الجزائريين هو بدايات تلاشي شبح النظام السلطوي القديم الذي كان يفرض في الماضي مشيئته على الانتخابات الرئاسية وغيرها من الانتخابات ويقرر مصيرها كما يشاء في تونس. لا شك أنّ تلاشي هذا الشبح، في تقدير الجزائريين، له قيمة رمزية تمثل لهم أيضا مشروع نقلة مهمة للوعي الشعبي التونسي وتعبيرا عن مقدمات إيجابية لتغير في مزاج الثقافة السياسية في المجتمع التونسي، هذا وينظرون إلى كل هذا كعامل له دور في شلّ قبضة الأحزاب التونسية التقليدية والحيلولة دونها ودون الوصول إلى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية. على هذا الأساس تفاعل الحراك الشعبي الجزائري مع التحولات الإيجابية في تونس بغض النظر عن بعض الصراعات السياسية التي ستستمر في المشهد السياسي التونسي، ويبدو واضحا أن سقوط شبح الحزب الواحد في تونس هو جرعة قوية للحراك الجزائري للمضي قدما في نضاله الوطني المشروع حتى تحقيق النصر على النظام الحاكم في الجزائر وأجهزته وأحزاب الموالاة التي تنطق باسمه.
مشاركة :