أعلنت مجموعة العمل المالي الدولية (فاتف) خلال جلسة عامة عقدتها أمس في العاصمة الفرنسية باريس أنها قررت شطب تونس رسميا من القائمة السوداء الخاصة بتبييض الأموال وتمويل الإرهاب. ويأتي القرار ليعطي زخما جديدا للسلطات التونسية، التي تكافح من أجل تصحيح مسار الاقتصاد الذي لا يزال يعاني بسبب الضبابية في خطوات تشكيل الحكومة المقبلة ومدى التزامها بتنفيذ موازنة 2020. ويقول خبراء تونسيون إن الخطوة ستحسن من تصنيفات البلاد على المؤشرات الدولية خاصة وأن الحكومة قطعت شوطا كبيرا في تنفيذ خطط صارمة تستهدف تحركات الأموال المشبوهة في عدة قطاعات تشكل بؤرة لتبييض الأموال. وعلق رئيس الحكومة التونسية في تدوينة على حسابه في فيسبوك على القرار بالقول إن المجموعة “تعتبر أن تونس أوفت بالتزاماتها في ما يتعلق بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب”. وكان محافظ البنك المركزي مروان العباسي قد أكد في يونيو الماضي أنه سيتم الإعلان رسميا عن خروج بلاده نهائيا من القائمة السوداء للدول غير المتعاونة في مجال مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب خلال هذا الشهر. وأعلنت السلطات التونسية، أنها امتثلت إلى 29 توصية من التوصيات المفروضة في إطار مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقال مستشار رئيس الحكومة، فيصل دربال، في وقت سابق هذا العام إن الدولة أصدرت معيارا مهنيا للخبراء المحاسبين في ما يتعلق بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، علاوة على إعداد أدلة الرقابة على القطاعات المالية وغير المالية. كما أصدرت الحكومة قائمة محلية تضم أسماء شخصيات يشتبه في تطرفها وقيامها بعمليات إرهابية أو مشاركتها ضمن الجماعات المتشددة في بؤر التوتر مع تجميد أموال وأصول تلك العناصر، فضلا عن ضبط قائمة بالتنظيمات الإرهابية. وعانت تونس من ظاهرة غسيل الأموال، التي انتشرت بشكل مقلق فترة حكم الترويكا التي قادتها حركة النهضة، وقد حذر خبراء منذ ذلك الوقت من أن استغلال شبكات محلية ودولية لأموال قذرة في عمليات مالية مشبوهة قد يفاقم أزمات البلاد الاقتصادية والمالية. وفي سابقة تعد الأولى من نوعها في تونس، أطلقت السلطات في مايو 2017 حملة لمكافحة الفساد، وقامت بموجب قانون الطوارئ باعتقال عدد من رجال الأعمال وموظفين كبار في مصلحة الجمارك ومهربين مورطين بتهم تتعلق بالفساد. والدعم الجديد من المجموعة المالية الدولية هو في سياق قرارات أخرى بدأتها المفوضية الأوروبية حينما أعلنت في مارس الماضي، إخراج تونس من قائمة الدول غير المتعاونة ضريبيا. وفي مسعى جديد لمكافحة الظواهر المخلة بالاقتصاد واستدامته، انضمت تونس الأربعاء الماضي رسميا إلى الشبكة الدولية لهيئات مكافحة الفساد. وتضم الشبكة نحو 21 هيئة محلية لمكافحة الفساد من عديد البلدان على غرار المغرب، الأردن، فرنسا، إيطاليا، بنين، كوت ديفوار، صربيا وكرواتيا. وكان الخبير معز الجودي، رئيس الجمعية التونسية للحوكمة، قد قدّر في تصريح سابق لـ”العرب”، خسائر تونس جراء سوء الحوكمة والفساد الذي ينخر الاقتصاد، بنحو 3 إلى 4 نقاط مئوية من معدلات النمو سنويا. وتحاول الحكومة من خلال الموازنة الجديدة، التي صادقت عليها مؤخرا أن تبعث برسائل طمأنة إلى الأوساط الاقتصادية والشعبية بأنها قادرة على معالجة التوازنات المالية المختلة. ولا تخفي موازنة 2020 البالغة 47 مليار دينار (17 مليار دولار)، الأكبر في تاريخ تونس، المخاوف من استناد الحكومة على الحلول الترقيعية كالعادة، في ظل غياب محركات النمو والإنتاج وارتفاع كتلة الأجور. وتزيد الموازنة الجديدة بنحو 15.7 بالمئة عن الموازنة الحالية والبالغة 14.5 مليار دولار، وهو ما يعني أن هناك المزيد من الإنفاق. وتوقع صندوق النقد الدولي في تقرير حول “الآفاق الاقتصادية العالمية في 2019” أن يحقق الاقتصاد التونسي نموا بنسبة 1.5 بالمئة بنهاية العام الحالي، وهو أقل من التوقعات الحكومية الرسمية التي تشير إلى نحو اثنين بالمئة. ويفجر تواصل عمليات التهريب في تونس عبر المنافذ الحدودية، الجدل باستمرار بشأن القدرة على التصدي لظاهرة الاقتصاد الموازي ضمن خطة شاملة كان قد أعلن عنها الشاهد لتعزيز خزينة الدولة “الفارغة” منذ توليه رئاسة الحكومة.
مشاركة :