مع توصل بريطانيا والاتحاد الأوروبي إلى اتفاق ثنائي لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد، دخل هذا الاتفاق مباشرة مرحلة التصديق عليه من قبل البرلمانين الأوروبي والبريطاني في آن معا. وهذه مرحلة ليست سهلة على الأقل على صعيد مجلس العموم البريطاني، المنقسم على نفسه حيال "بريكست" منذ الاستفتاء الشهير حول الخروج الذي تم في عام 2016. الاتفاق الأخير حل جزئيا مشكلة حدود إقليم إيرلندا الشمالية التابع للمملكة المتحدة، لكنه زاد من حدة الخلافات حوله بين الأحزاب في بريطانيا، خصوصا في جزئية أن الاتحاد الأوروبي ستكون له سلطة فرض ضرائب ورسوم على بعض البضائع البريطانية الآتية إلى الإقليم، ما يعني أن إيرلندا ستبقى عمليا ضمن نطاق الاتحاد الأوروبي، وهو ما يرفضه بعض النواب الإيرلنديين في مجلس العموم. على كل حال، لأن المسألة برمتها صعبة وستحسم في اجتماع تاريخي لمجلس العموم اليوم، وهو تاريخي لأن هذا المجلس لم ينعقد أيام السبت منذ اجتماعه الشهير في عام 1982 لبحث حرب الفوكلاند التي اندلعت بين بريطانيا والأرجنتين، في عهد حكومة مارجريت تاتشر. الاتصالات بين النواب وقيادات أحزابهم في مجلس العموم لم تتوقف منذ الإعلان عن الاتفاق في بروكسل، فهناك بعض النواب في حزب العمال المعارض يرغبون في التصويت لمصلحة الاتفاق ضد رغبة قيادتهم، وهنا أعضاء من المحافظين لم يحسموا أمرهم في مسألة التصويت ضد حكومتهم نفسها، في حين إن أحزابا أخرى حسمت أمرها، على رأسها الحزب القومي الاسكتلندي وحزب الديمقراطيين الأحرار، وستصوت ضد الاتفاق، لسبب بسيط معلن، أنها تقف أساسا ضد "بريكست". وإذا ما فشل بوريس جونسون رئيس الوزراء في تمرير هذا الاتفاق الذي يوصف بالمتفجر، فالقانون يفرض عليه أن يطلب تمديدا لبقاء بلاده في الاتحاد الأوروبي لفترة أخرى، قد تصل إلى ما بين ثلاثة وستة أشهر، وهذه الفترة ستشهد بالتأكيد انتخابات بريطانية عامة، يرى البعض أنها ستحسم موضوع "بريكست" من أساسه، في حين يرى البعض الآخر أنها ليست كافية، والآلية التي يمكن أن تحسم هذا الأمر هي استفتاء جديد، إما حول البقاء أو الخروج، أو حول الاتفاق الذي جلبه جونسون معه من بروكسل مقابل خيار البقاء. إنها قضية عالقة بالفعل، في ظل وجود حكومة أقلية مهزوزة تحكم البلاد، وفي ضوء التطورات الراهنة على الصعيد السياسي المحلي، وحتى لو مر الاتفاق على مجلس العموم، فإنه سيمر بأغلبية ضئيلة، وإن خسر فسيخسر بأغلبية ضئيلة أيضا، لأن الأصوات شبه متساوية. الأوروبيون -كعادتهم- أبقوا باب تمديد بقاء بريطانيا في الاتحاد لفترة مفتوحا، على الرغم من تصريح مثير لجان كلود يونكر رئيس المفوضية، بأنه لا داعي لمثل هذا التمديد، طالما أن الطرفين اتفقا على هذه الصفقة. لكن لا توجد في السياسة أبواب مغلقة تماما، خصوصا أن الأوروبيين حريصون على خروج بريطاني من اتحادهم بصورة منظمة، بعيدا عن انفصال بلا اتفاق، سيجلب مزيدا من الفوضى ليس للعلاقات بين الطرفين، بل للحياة العامة على جانبي القناة الإنجليزية. الساعات القليلة المقبلة ستحسم مصير "بريكست"، أو على الأقل ستنقله إلى مرحلة أخرى، لن تقل فوضى عن مرحلة التفاوض الأولى، فهناك مرحلة من التفاوض لا بد أن تنطلق لرسم معالم العلاقات البريطانية - الأوروبية في المستقبل، كما أن هناك مرحلة انتقالية لتمكين الأعمال والناس من التحول بطريقة هادئة من وضعية إلى أخرى.
مشاركة :