الشهرة والمنصب والوجاهة مشكلة. مشكلة من قبل حدوثها، ومشكلة أثناء حدوثها، ومشكلة بعد تلاشيها. يقول ممثل من هوليوود إن الشهرة هي أول خطوة على طريق الإهمال. أي أن تجد نفسك يوما ولا أحد يعيرك أهمية بعد سنوات من النجومية. الوهج الذي يحيط بالمشاهير حقيقي. هذا بطل للأفلام وهذا مسؤول كبير وذاك ثريّ ينفق. ومثل طبق العسل، تستقطب هذه المواصفات الناس لمثل هؤلاء الأشخاص. وكلما زاد الاستقطاب، تجمهر ناس أكثر ولمعت فلاشات الكاميرات أكثر. وقبل أن يعرف المعني ما حدث، يكون في قلب دوامة لا تنتهي من الاهتمام. فتنتفخ الأنا وتزيد مع مرور الوقت. سمعت عن ظواهر من هذا النوع ومر عليّ في حياتي ظواهر أخرى. البعض كان موضوعيا في تقّبل الشهرة والمنصب والجاه. وآخرون صدموا بقوة أو باعتدال. في يوم كان جيمس بيكر وزير خارجية الولايات المتحدة. كان النجم الساطع في إدارة جورج بوش الأب، وعلى يده انتهت الحرب الباردة. كان شخصية سياسية استثنائية. ثم فاز بيل كلينتون بالرئاسة وتبخر طاقم بوش، وبيكر واحد منهم. قال بيكر معلقا “وقفت في شارع في نيويورك وأوقفت تاكسي وجلست في الخلف وكان السائق إيرانيّا مهاجرا منذ وقت قريب. لم ينتبه من أنا. عرفت أني لم أعد وزيرا للخارجية”. كان يريد القول إنه خطا أول خطوة على طريق النسيان. في يوم كان الملاكم البريطاني فرانك برونو نجما يملأ صفحات الجرائد وشاشات التلفزيون. يلاكم مايك تايسون ولينوكس لويس. ثم انطفأت من حوله الأضواء. صار يمثّل في مسارح الأطفال، ثم دخل مصحات للعلاج العقلي. العقلي وليس النفسي. لم يتحمل فكرة أن الشهرة ودعته بلا رجعة. نفس الشيء حدث للاعب الإنكليزي بول غازغوين (غازا). كان نجم النجوم. ثم تقاعد وانطفأ. فاهتز نفسيا وأدمن الخمر وواجه المحاكم بسبب اعتداءات جسدية على آخرين ما عادوا يهتفون باسمه. في مطلع الثمانينات كان من الصعب أن تتصفح مجلة فيها صفحة مشاهير من دون خبر عن الملياردير عدنان خاشقجي. ثروته وصلت إلى 4 مليارات دولار وهو رقم كبير وقيمته أكبر بمقاييس اليوم. ثم تراجعت حظوظه وصار “فقيرا”. مجرد مليونير. لديّ صديق كان يدير مؤسسة إعلامية. لم يكن هاتفه يتوقف عن الرنين. بعد أن ترك المؤسسة سكت الهاتف. قال لي “صرت أضرب الهاتف لأتأكد من أنه ليس معطلا”. كلنا نريد مكانا تحت الشمس. أن يصيبنا من الشهرة حظوة ومن المنصب حصة ومن الجاه مال. ربما جرعة معتدلة لا أكثر. قليل من العسل لا يجتذب الكثير من الاهتمام ولا الكثير من الذباب.
مشاركة :