اتفق اللبنانيون للمرة الأولى على النزول إلى الشارع تنديداً بطبقة سياسية وحكومة يرون أنها فاسدة وأخفقت في تلبية احتياجاتهم، لكن بعد أسبوع من هذه التظاهرات الشعبية غير المسبوقة، بدأت الأسئلة تُطرح بشأن ماهية مطالبها والمرحلة التي ستليها. وتبدو الحاجة ماسة اليوم إلى وضع إطار للمطالب التي يرفعها المتظاهرون، مع اختلاف المواقف في ما بينهم بهذا الصدد. وأشعل توجه الحكومة إلى فرض رسم مالي على خدمات الاتصال المجانية عبر تطبيقات الهاتف الخلوي الحركة الاحتجاجية في لبنان، التي اتسعت مطالبها إلى دعوة الطبقة السياسية بأكملها إلى الرحيل، وتخللها شعارات وشتائم لم توفّر أحداً. رغم إعلان الحكومة عن سلسلة إصلاحات جذرية، واصل اللبنانيون تحركهم الاحتجاجي. افترش آلاف اللبنانيين الشوارع الأربعاء، وهم يلوحون بالأعلام ويرددون شعارات "سلمية سلمية" رداً على محاولة وحدات من الجيش تنفيذ أوامر بفتح الطرق المغلقة في اليوم السابع من حراك شعبي غير مسبوق يطالب برحيل الطبقة السياسية. ونفّذ الجيش اللبناني الأربعاء انتشاراً غير مسبوق منذ انطلاق الحراك الشعبي ضد الطبقة السياسية، لفتح الطرق الرئيسية في مختلف المناطق بالقوة، تنفيذاً لما وصفه مصدر عسكري لفرانس برس بـ"قرار لفتح الطرق العامة وتسهيل تنقل المواطنين". واصطدمت محاولاته هذه شمال بيروت برفض مطلق من المتظاهرين الذين افترشوا الطرق ورددوا النشيد الوطني اللبناني، وتضاعفت أعدادهم تدريجياً خصوصاً في محلتي الزوق وجل الديب. وأفاد مصور لفرانس برس عن حالة من الهرج والمرج وتدافع بين المتظاهرين والعسكريين لم تدم طويلاً. ويطالب المتظاهرون باستقالة حكومة الوحدة الوطنية التي شكّلت في 31 كانون الثاني/يناير 2019 برئاسة سعد الحريري وتضم 30 وزيراً من مختلف الأحزاب اللبنانية. لكن معظمهم يدعو أيضاً إلى إسقاط الطبقة السياسية بأكملها بحيث لا يرون أن المشكلة تقتصر على حكومة واحدة، بل هي تراكمية وتفاقمت عبر العقود. إلا أن ما يريده المحتجون في المستقبل لا يزال غير واضح بعد، ويختلف الموقف من شخص لآخر على الطاولة نفسها، رغم أن التظاهرات جمعت لبنانيين من كافة المناطق والطوائف وتميزت بطابعها غير الحزبي في بلد شديد الانقسام سياسياً وطائفياً وشهد حرباً أهلية مدمرة (1975-1990). وانتهت الحرب بتوقيع أطرافها لاتفاق الطائف عام 1989 الذي كرس التوازن الطائفي في تقاسم السلطة في البلاد. ويجمع المتظاهرون بمعظمهم خصوصاً على الاعتراض على أن السياسيين الموجودين في السلطة حالياً كانوا في معظمهم أطرافاً أساسيين في الحرب الأهلية، مع اختلافهم على المرحلة المقبلة. اتفق بيتر صايغ وصديقه أندرو بيضون البالغان 16 عاماً وهما يلعبان الورق على طاولة بلاستيكية في وسط بيروت الاثنين أن على حكومة سعد الحريري أن ترحل، غير أنهما لم يتفقا على شيء آخر. للمزيد على يورونيوز: جنبلاط ليورونيوز: جبران باسيل خرب العهد ونحن مع التخلص من رموز الاستبداد مستشار ميقاتي: تهمة الإثراء غير المشروع رد فعل على دعمه للاحتجاجات في لبنان فيديو: استيقظ طفلها خائفاً فغنى له المتظاهرون اللبنانيون "بيبي شارك"! وقال بيتر، متكئاً على الكرسي فيما يرفع العلم اللبناني، "أنا كطالب مدرسة أريد أن يحكم الشعب وأن نُمنح حقوقنا، ونتمكن من تأمين عمل وأريد تأمين مستقبلي وألا أضطر للهجرة". لكن صديقه أندرو يعترض. ويرى أن "على الحكومة بأكملها أن ترحل وتُستبدل بحكومة عسكرية"، معتبراً أن رئيس الجمهورية ميشال عون (84 عاماً) والذي كان قائداً للجيش يجب أن يبقى ويحكم البلاد. وترى الأستاذة المساعدة في الإدارة العامة في الجامعة الأميركية في بيروت كارمن جحا أن التظاهرات الراهنة تختلف عن تظاهرات عام 2015 التي اندلعت احتجاجاً على أزمة نفايات، لناحية تأييدها من مجموعات اقتصادية مختلفة وفي كافة أنحاء البلاد. لكنها حذرت من أن "التحركات التي لا قيادة لها قد تتبدّد ويتم استغلالها". وأضافت "هناك حاجة لوضع إطار للمطالب. لكن الآن، هذا حراك سياسي، فليذهب الناس إلى الشارع ولنتحدث عن المطالب لاحقاً". وأشارت إلى أن تحالفات مدنية جديدة تضم طلاباً ومحامين قد بدأت تتشكل أصلاً، موضحةً "انكسر حاجز الخوف". في عام 2015، شهدت بيروت تظاهرات لمنظمات مدنية مطالبة بمعالجة أزمة نفايات ضربت البلاد، لكنها أخفقت في تحقيق تغيير دائم. ولم تتمكن لائحة "بيروت مدينتي" عام 2016 من الفوز في الانتخابات البلدية في بيروت. ونالت لائحة المجتمع المدني مقعداً واحداً في الانتخابات البرلمانية في أيار/مايو 2018 التي لم تنتج أي تغيير حقيقي في الطبقة الحاكمة. وألقت الناشطة منى فواز من "بيروت مدينتي" كلمة الإثنين خلال تظاهرة في وسط بيروت، لكنها شددت على أنها لا تحاول أن تصبح متحدثة باسم المتظاهرين. وقالت إن لبنان دخل "مرحلة جديدة" يجب أن يتم خلالها الإصغاء للشعب. لكن بعض المتظاهرين رفضوا الإصغاء إليها متهمين مجموعتها بمحاولة السطو على قيادة الحراك. وصرخ أحد المحتجين طالباً منها أن تذهب لإلقاء خطاب في مجمع تجاري كبير في بيروت، للدلالة على نخبوية هذه المجموعة. وركزت الخطابات الاحتجاجية الثلاثاء على النقاط المشتركة بين الجميع، من ضمنها استقالة الحكومة واستعادة الأموال المنهوبة من السياسيين. ويقول نزار حسن البلاغ (26 عاماً) من مبادرة "لحقي" المدنية التي دعمت التظاهرات، "إنها انتفاضة شعبية ولا يمكن أن نقول: هذه هي المطالب، لكن الكثير من الناس يتحدثون عن مطالب يمكن بالفعل تحقيقها". ويوضح أن المطلب الأول يكمن في تشكيل حكومة تكنوقراط بهدف تحقيق استقرار الاقتصاد، قبل إجراء انتخابات مبكرة من شأنها أن تغير موازين القوى. وأوضح "في عام 2015 كان الناس يتحدثون عن إسقاط النظام الطائفي بأكمله. الآن، بات لدى الناس معرفة أكبر بحدود قدرة النشاط المناهض للمؤسسات على تغيير السياسة في لبنان".
مشاركة :