فاق عدد المرشحين للانتخابات الرئاسية الجزائرية المقررة قبل نهاية العام الجاري، توقعات الشعب الجزائري وسط جدل وغموض حول قدرتهم على استقطاب الناخب الجزائري إلى صناديق الاقتراع، ومدى تمثيليتهم الحقيقية لإرادة الشارع الجزائري. واستقبلت مصالح السلطة المستقلة للانتخابات أكثر من 140 رغبة في الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة في الـ12 من ديسمبر القادم، وهو العدد المرشح للتقلص إلى ما دون العشرة، قياسا بقدرة هؤلاء على الوفاء بالشروط الأساسية للترشح، وعلى رأسها جمعها الخمسين ألف استمارة توقيع، بمعدل 1500 استمارة من 25 محافظة على الأقل. وباستثناء بعض الشخصيات المستقلة ورؤساء الأحزاب الناشطين في المشهد السياسي الجزائري، فإن أغلب المرشحين مغمورون وغير معروفين لدى الرأي العام، وهي ظاهرة جديدة في الاستحقاقات الانتخابية الجزائرية، حيث صار البعض ممن يعانون من مشاكل نفسية، يستغلون الفرصة للظهور أمام الكاميرات ووسائل الإعلام، في مشاهد بهلوانية أضرت بصدقية الفعل السياسي والانتخابي في البلاد. ويعتبر رؤساء أحزاب حركة البناء الوطني وطلائع الحريات والوطني الجمهوري والتجمع الوطني الديمقراطي، وهم على التوالي عبدالقادر بن قرينة، علي بن فليس، بلقاسم ساحلي وعزالدين ميهوبي، فضلا عن شخصيات أكاديمية ومستقلة أخرى كرئيس الحكومة السابق عبدالمجيد تبون، أبرز المرشحين لخوض الاستحقاق الرئاسي. ولاحظ أستاذ العلوم السياسية الماحي بن مهل، في قراءة أدلى بها لـ”العرب”، أن “اللائحة التي فاقت المئة وأربعين مرشحا، ستتم غربلتها في سلطة تنظيم الانتخابات ولا تبقى منها إلا الشخصيات الوازنة، وأن المرحلة القادمة ستتعلق بمدى قدرة هؤلاء على إقناع الناخب الجزائري بالتصويت لهذا البرنامج أو ذاك”. وكان الأمين العام بالنيابة لحزب التجمع الوطني الديمقراطي الموالي للسلطة عزالدين ميهوبي، أول مودع لملف ترشحه لدى الهيئة المستقلة نهار أمس، وكشف للصحفايين أن “ملفه يتضمن مئة ألف استمارة توقيع، وأن مستقبل الجزائر مرهون بنجاح الاستحقاق الرئاسي”. وينتظر أن يودع نهار اليوم الخميس رئيس حركة البناء الوطني عبدالقادر بن قرينة، ملفه لدى الهيئة، في انتظار ملفات أخرى يرتقب تقديمها من طرف أصحابها عملا بالمهلة القانونية التي يحددها قانون الانتخابات، قبل فسح المجال أمام عملية تدقيق الملفات والإعلان عن اللائحة النهائية المقبولة وفتح مهلة الطعون للمرشحين المحتجين. ويهيمن رجالات نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة والموالون للسلطة القائمة، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية، على لائحة المرشحين، وحتى إن لم يظهر مرشح بعينه للنظام، فإن أبرز الوجوه هي من المحسوبة عليه. واعتبر أستاذ العلوم السياسية الماحي بن مهل أن “السلطة لا تريد المجازفة بوضع بيضها في سلة واحدة، وإنما تريد توزيعه على عدة سلال، ولذلك لم تختر مرشحا معينا ليكون فارسها في السباق، وتراهن على عدد من المرشحين الذين يوالونها ولا يمانعون في تجسيد أجندتها المستقبلية”. ويعتبر كل من رئيس الحكومة السابق عبدالمجيد تبون، ووزير الثقافة الأسبق عزالدين ميهوبي، وحتى كل من علي بن فليس وعبدالقادر بن قرينة، مرشحي النظام، قياسا بخلفيتهم السياسية وولائهم للخط الذي تتبناه السلطة التي تبحث عن آليات لتجديد نفسها عبر الانتخابات القادمة. وإذ يعتبر الإسلاميون أكبر الغائبين عن الاستحقاق القادم، بعد إعلان قطبي تيار الإخوان حركة مجتمع السلم وجبهة العدالة والتنمية عن مقاطعتهما للانتخابات الرئاسية، فإن حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، يعتبر أيضا غائبا لافتا حيث لم يقدم مرشحا عنه، بسبب الأوضاع النظامية الداخلية المضطربة في صفوف الحزب، بعد سجن أمينيه العامين جمال ولد عباس ومحمد جميعي. ومع تبرير أكبر حزبين إسلاميين في البلاد موقفيهما، بعدم توفر الشروط الأساسية لنزاهة وشفافية الاقتراع، وعدم استجابة السلطة لمطالب الحراك الشعبي، وترك الباب مفتوحا أمام ما أسمياه بـ”أي تطور إيجابي في الساحة السياسية”، فإن مقاطعتهما للانتخابات المذكورة لم تكن مفاجئة للمتابعين، حيث تعودت الأحزاب الإسلامية الاصطفاف دائما خلف مرشح ما في الانتخابات الرئاسية منذ منتصف تسعينات القرن الماضي. وباستثناء مشاركتها في مختلف المواعيد البرلمانية والمحلية، فإن أحزاب التيار الإسلامي ظلت تلتزم الصفوف الخلفية في الاستحقاقات الرئاسية، وما عدا دخول حركة “حمس” برئيسها الراحل والمؤسس محفوظ نحناح، في الانتخابات الرئاسية التي انتظمت في 1995، فإن حمس ظلت داعمة لما كانت تصفه بمرشح الإجماع عبدالعزيز بوتفليقة، كما أن جاب الله عبدالله، خاض استحقاقا واحدا عام 1999، وانسحب آنذاك بمعية المرشحين الخمسة الآخرين، احتجاجا على ما وصفوه بـ”انحياز الإدارة والجيش إلى المرشح عبدالعزيز بوتفليقة”. ويرى الماحي بن مهل أن غياب الإسلاميين وحتى الحزب الحاكم، ولو أن عبدالمجيد تبون ينحدر سياسيا من مدرسة جبهة التحرير الوطني، يبقى لافتا في الاستحقاق القادم، ويشير إلى أن الإسلاميين قد وضعوا في حساباتهم تراجع شعبيتهم في الشارع الجزائري، ولم يريدوا المجازفة خشية الاصطدام بحقيقة مفاجئة
مشاركة :