التصلب اللويحي المتعدد مرض مزمن يصيب الجهاز العصبي المركزي المكون من المخ، المخيخ وجذع المخ، والحبل الشوكي، ويعتقد أن المرض سببه التباس في الجهاز المناعي يؤدي إلى التهابات متكررة وضمور الخلايا في الجهاز العصبي المركزي، وينتج عن الالتهابات المتكررة تكون بقع (ألواح) صلبة في الأماكن المتأثرة من الجهاز العصبي المركزي، ومن هنا جاء مسمى المرض، بينما، وبعد سن معين، يفقد الإنسان نسبة معينة من كتلة المخ كل سنة، وتزيد هذه النسبة عند المصابين بالتصلب اللويحي المتعدد. ولا تعلم أسباب إصابة أشخاص معينين بالمرض دون الآخرين، ويعتقد أن للجينات دور كبير، ولكن التركيبة الجينية وحدها لا تكفي للإصابة، والدليل أن الكثير من الأخوة التوائم لا يصابون بالمرض، ولا بد من وجود عوامل بيئية تسهم في حدوث المرض، ولكننا لم نتوصل إلى أي من هذه العوامل التي لها الدور الأكبر، وإحدى النظريات السائدة هي أن نقص فيتامين (د) له دور في الإصابة بالمرض، حيث إننا وجدنا من خلال الدراسات الميدانية أن مستوى فيتامين (د) في الدم أقل بشكل ملحوظ في المصابين مقارنة بالأشخاص غير المصابين بالتصلب، ولهذا جرت العادة على قياس مستوى هذا الفيتامين في الدم لدى كل المصابين من أجل تعويض النقص، أما على مستوى الدراسات المختبرية فقد وجد الباحثون ما يدل على احتمال وجود دور تنظيمي للجهاز المناعي من خلال عمل الفيتامين على مستقبلات خاصة في الخلايا المناعية، ومن النظريات الشائعة أيضا عن أسباب الإصابة بالمرض هي أن بعض الفيروسات لها دور رئيسي في حدوث بدء مرض التصلب المتعدد، ومن أشهرها هو فيروس (الأبشتن بار وهو فايروس شائع ومكتسب غالبا خلال الطفولة أو المراحل العمرية المبكرة، ويبقى كامناً في الجسم لدى الكثير من الناس)، ومما لا شك فيه أن التدخين مرتبط بشكل وثيق بالتصلب المتعدد وتدهور حالة المريض المصاب المدخن بشكل أسوأ من غير المدخن دليل على الأذى الذي يسببه التدخين للمصابين، وهناك الكثير من العوامل الأخرى قيد الدراسة. تظهر أعراض التصلب المتعدد بعدة أشكال، فقد تكون الهجمة الأولى على شكل اعتلال الرؤيا في العين بسبب التهاب عصب النظر، أو ازدواجية في الرؤيا بسبب إصابة جذع المخ، وقد تكون أيضا على شكل تنميل أو خدر، ثقل أو ضعف في الأطراف، اختلال التوازن، لعثمة في الكلام، عدم تحكم في البول و- أو البراز أو احتباسهما، وغير ذلك، عندما تظهر هذه الأعراض وتستمر لمدة 24 ساعة أو أكثر تسمى انتكاسة أو هجمة، في العادة تستمر الأعراض لعدة أيام أو أسابيع ثم تبدأ في التحسن التدريجي، وقد تتلاشى الأعراض تماما وقد يبقى لها أثر يختلف في شدته من شخص لآخر. التصلب المتعدد له عدة أنواع: التصلب الانتكاسي هو أكثرها شيوعا، ويتميز بحدوث انتكاسات أو هجمات تفصلها فترات متباينة من الزمن، الغالبية من المرضى يبقى قادراً على الحركة المستقلة لسنوات طوال قبل أن يحتاج إلى دعم بالعكاز، وقد يتدهور المشي مما يستدعي استخدام أدوات أقوى للمشي أو التحرك من مكان إلى آخر، مثل المشاية أو الكرسي المتحرك، تبقى نسبة أقل من المرضى (حتى 35%) لا تحتاج إلى أية مساعدة في الحركة حتى بعد مرور سنوات طويلة جداً من المرض. أما النوع الأقل شيوعاً من المرض فهو التصلب التدهوري، حيث يصاب المريض بالإعاقة بشكل تدريجي من غير وجود هجمات محددة، ويتميز بأنه في الغالب تظهر أعراضه في عمر أكبر، إلا أننا نرى الكثير من المرضى الشباب المصابين بهذا النوع من التصلب. يعاني مريض التصلب المتعدد، وبغض النظر عن مستوى الإعاقة، بالإعياء العام، وهو من الأعراض المؤثرة جداً على حياة المريض، والتي من الصعب تفهمها حيث إنها لا تظهر على شكل إعاقة واضحة بل هي شعور جامح أحياناً يعاني منه المريض ويمنعه من أداء واجباته في العمل أو البيت بشكل جيد، وتسهم ارتفاع درجة حرارة الجسم في ظهور الأعراض القديمة (وليس في حدوث هجمة جديدة) ولذا ينصح مريض التصلب بتجنب الأماكن الحارة حتى لا يشعر بالإعياء أو ظهور أعراض التصلب مرة أخرى. يتم تشخيص المرض عن طريق طرح الأسئلة، وعمل فحص سريري للجهاز العصبي، وللتأكد من الإصابة يتم عمل أشعة مغناطيسية للجهاز العصبي المركزي، وربما أيضا مجموعة أخرى من الفحوصات كتخطيط العصب البصري وأخذ عينة من سائل الحبل الشوكي. وتنقسم علاجات مرض التصلب إلى ثلاثة أقسام رئيسية: علاجات الهجمات، وعلاجات الأعراض (كالشد الذي يحدث في الأطراف، الآلام، عدم التحكم بالبول.. إلخ) والعلاجات المؤثرة على مسار المرض نفسه، والأخيرة هي علاجات مهمة حيث إنها إذا أخذت بانتظام وفي مرحلة مبكرة من المرض قد تغير مجرى المرض وتؤخر أو تمنع حدوث الإعاقة، وفي السابق كان لدينا خيارات علاجية محدودة جداً، ولكن الآن خياراتنا أكثر بكثير، وتختلف نتائج العلاج وآثاره الجانبية من علاج إلى آخر ومن شخص إلى آخر، وعادة ما يبدأ الطبيب المعالج بالعلاجات الأقل خطورة على الجسم، فإن لم يستجب المريض، يقوم الطبيب بتغيير العلاج إلى النوع الأقوى، وسر نجاح العلاج في البدء المبكر، والالتزام بتناول العلاج، ومتابعة الطبيب بحرص للتاكد من فعالية العلاج والحد من آثاره الجانبية. * قسم العلوم العصبية
مشاركة :