لولا ملاحظات بعض النقاد والقراء المتكررة حول أجواء الفن التشكيلي التي تشيع في قصائدي لما انتبهت للأمر. ولولا ملاحظات ضيوفي الذين يدخلون مكتبي أول مرة حول الوحات التشكيلية التي تتزاحم على الجدران حولي لما انتبهت الى كثرتها المبالغ فيها كما يظن بعض منهم. ولولا «خربشاتي» التي أسميها «لوحات تشكيلية» وما زلت أحتفظ ببعضها منذ سنوات لما تذكرت حلمي القديم أن أكون فنانة تشكيلية ذات يوم، قبل أن يتواضع الحلم لاحقا لأتمنى أن أكون متذوقة جيدة فقط على الأقل لهذا الفن العظيم. لا أدري إن كان الحلم في صورته المتواضعة قد تحقق الآن أم لا لكنني أعرف جيدا أنني أحب الرسم بكل أنواعه، بل أزعم أنني أعشقه لدرجة أنني لا أتصور حياتي اليومية من دون لوحات تحيط بي من كل جانب تقريبا، ومن دون محطات في القراءة والتأمل في كل معطياته اللونية، ومن دون هنينهات أقضيها بين فترة وأخرى في البحث التاريخي حول جذوره وأصوله وأهم الأسماء التي اشتهرت فيه. فشلت تماما أن أكون فنانة تشكيلية وكنت أقنع نفسي دائما أن فشلي سببه عدم اهتمامي بموهبتي منذ بدايات اكتشافي لها، وعدم اهتمام من حولي بتنمية تلك الموهبة، لكن آن الأوان الآن للاعتراف أنني لم أكن أملك موهبة في الرسم أصلا، وكل ما في الأمر أنني أحب الرسم للدرجة التي تصورت معها أنني موهوبة فيه. لو كنت موهوبة فعلا لما احتاج الامر للآخرين كي يهتموا ولما تواضعت تلك الموهبة على هذا النحو الملحوظ لاحقا. كنت «أخبط» في التشكيل خبط عشواء أصابت قليلا وخابت كثيرا، وفي كل مرة كانت الألوان بهجتي التي لا تعادلها بهجة في محيطي الرمادي غالبا، وكنت أقتنع أنها العفوية حتى لا أصدق أنها العشوائية وحسب، إلى أن استسلمت للأمر فرضيت من الغنيمة التشكيلية بالإياب الشعري والمعيشي أيضا. صرت أكتب الشعر بالريشة، وأعيش حياتي بين خطوط قوس قزح. بهجة نهاري تتكون أساسا في خليط من الألوان التي تتراءى لي على الجدران حولي، ولا أتذكر أنني كتبت قصيدة جديدة من دون تخيلها وهي تتشكل بهيئة تشكيلية أو موسيقية أحيانا. كلما بدأت كتابة قصيدة جديدة انتبهت إلى الخطوط والبدائية التي تسبق كتابتي لها على الورق وكأنها تحضير مبدئي غير واع للإقدام على القصيدة. لا يتم الأمر بشكل مرتب مسبقا، ولكنني أرصده لاحقا فأكتشف تلك العلاقة الرفيعة التي تتشابك فيها الكلمات بالخطوط والألوان والنغمات الموسيقية أجدني أسيرة لها. لا يحدث هذا في ما أكتبه من شعر وحسب بل في ما أقرأه أيضا، كلما قرأت قصيدة أثيرة لأحد الشعراء أكاد أرسمها في خيالي وأجد الألوان تتقطر من أصابعي الملطخة بقوس قزح. المقال كله مقدمة لهذا السؤال: هل هناك فرق حقيقي بين القصيدة واللوحة، أو بين الشعر والتشكيل، أو بين الشاعر والفنان؟ وجوابي: لا أظن!
مشاركة :