التاجر بطبعه ــ إلا من رحم الله ــ يدافع عن مصالحه، ويبحث عن الأرباح العالية بكل "جشع" ضاربا بمصلحة المواطن والوطن عرض الحائط، لا يمكن أن ننشد منه حلولا، بل إن الأمور غالبا ما تزيد تعقيدا عندما تكون الأمور في يده، ويمنح الحرية المطلقة في ممارسة تجارته دون قيود أو رقابة وردع. أكثر ما يشغل بال المواطنين في السعودية، "أزمة العمالة المنزلية" وارتفاع أسعار استقدامها بشكل مهول خلال الفترة الماضية، والجميع يحمل اللجنة الوطنية المسؤولية للاستقدام، التي تعرضت لهجوم عنيف في مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية. المواطن المغلوب على أمره له كامل الحق في مهاجمة كل من له يد في تلك الأزمة، ولا يمكن لومه خاصة وهو يرى خدمة "الاستقدام" تقدم في دول مجاورة بأسعار أقل وبجودة أعلى وبسرعة أكبر. تصريح خطير أدلى به مسؤول بنجلادشي لـ "الاقتصادية" قبل أكثر من أسبوع ربما يكشف لنا سبب التباين في أسعار الاستقدام بين السعودية ودول المنطقة الأخرى، يقول مصدر مسؤول في السفارة البنجلادشية في السعودية، إن شركات الاستقدام في بلاده تحصل على ألف ريال فقط، مقابل توفير العمالة المنزلية لمكاتب الاستقدام السعودية، مشددا على أن الجانب البنجلادشي غير مسؤول عن المبالغ الأخرى الخاصة بتكلفة استقدام العمالة المنزلية. فقط ألف ريال تتحصلها المكاتب في بنجلادش مقابل توفير العامل المنزلي في وقت يتحصل المكتب السعودي على أضعاف مضاعفة للمبلغ، والأمر بلا شك شبيه بما يحصل في بقية الدول كالهند والفلبين وغيرهما من البلدان التي وقعت السعودية معها اتفاقيات استقدام للعمالة المنزلية. القضية ليست فقط في رسوم الاستقدام، بل حتى في الرواتب، فالعاملة المنزلية من الفلبين تتقاضى 850 ريالا راتبا شهريا في البحرين، في حين يبلغ راتبها في السعودية 1500 ريال، وهو رقم يقترب من ضعف ما تتقاضاه في البحرين. حتى في التفاوض على الراتب الشهري نحن فاشلون، أو بالأحرى لا نهتم بالأمر ما دام من يدفع الراتب هو المواطن المغلوب على أمره، الذي لا يجد من يدافع عن حقوقه ويوفر له خدمة مميزة في السعر والجودة كما يتم توفيرها لأشقائه في المنطقة. لا يمكن أن تنحاز اللجنة الوطنية للاستقدام وهي الممثلة للتجار في صف المواطن، دون أن تراعي جيوب أعضائها ومكاتبهم واستثماراتهم، لا يمكن لهم أن يقبلوا بالأرباح المعقولة وهم من يحتكر الخدمة، ولن تهبط أسعار الاستقدام إلا من خلال فتح المجال لشركات الاستقدام الخليجية للاستثمار في السوق المحلية ومنافسة تلك الشركات الجشعة.
مشاركة :