دفع ضعف التمثيلية البرلمانية لحركة النهضة الإسلامية، الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية التونسية، إلى محاولة الاستعانة بالشرعية الانتخابية لرئيس الجمهورية قيس سعيد كسند سياسي يعوّل عليه في إنجاح مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة. وأدركت حركة النهضة انسداد أفق تشكيل الحكومة التونسية الجديدة أمام تمسكها بتعيين شخصية من صفوفها رئيسا للحكومة مقابل تمسك الشريكين المحتملين له في الحكم، حزبي التيار الديمقراطي وحركة الشعب، بتنصيب شخصية مستقلة لقيادة الفريق الحكومي أو تشكيل حكومة الرئيس بالتعاون مع الرئيس المنتخب قيس سعيد، وبدأت تبحث عن سند سياسي يفك عنها عزلتها السياسية ولوّحت بطلب مساعدة من الرئيس التونسي قيس سعيد الذي يحظي بدعم سياسي واسع وشرعية انتخابية قوية. وأثبت تصريح أحد قياديي الحزب الإسلامي، العجمي الوريمي، مخاوف الحركة من فشلها في تشكيل الحكومة في الآجال الدستورية المضبوطة بمدة ثلاثين يوما بعد الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات التشريعية، وتوجهها إلى الاستناد سياسيا إلى شرعية قيس سعيد في مفاوضات تشكيل الحكومة. وقال الوريمي إن الحركة تعول على دور الرئيس التونسي قيس سعيد الذي استلم مهامه رسميا أمس الأول الأربعاء في إنجاح المفاوضات المتعثرة لتشكيل الحكومة الجديدة وبين أن حركة النهضة تعول على الدور المهم للرئيس قيس سعيد في تخطي الصعوبات التي يمكن أن تعترض عملية تشكيل الحكومة الجديدة. وفازت النهضة في الانتخابات التشريعية بأغلبية طفيفة مكنتها من الحصول على 52 مقعدا، وهو ما جعلها تواجه صعوبات في إقناع حلفاء بالانضمام إلى تحالف حكومي بسبب الاشتراطات المسبقة، وفي ظل تواجد أحزاب لها نتائج متقاربة. ويسعى الحزب الإسلامي إلى الاستعانة بقوة الشرعية الانتخابية والدعم الحزبي للرئيس قيس سعيد من خلال مساعدتها في مفاوضات تشكيل الحكومة وخلق توافق سياسي بينها وبين الأحزاب المعنية بتشكيل الحكومة، لاسيّما أن حزب التيار الديمقراطي وحركة الشعب أعلنا دعمهما لسعيّد وتقاربهما السياسي معه. واعتبر العجمي الوريمي أن لرئيس الجمهورية دورا هاما في تسهيل ولادة الحكومة وإيجاد أرضية مشتركة، تمكن النهضة من تكوين حكومة تحظى بثقة البرلمان. وفسّر عضو النهضة توجه الحركة للاستعانة بقيس سعيد بما يحظى به من دعم شعبي وسياسي واسع، معتبرا أن “الفوز الذي حققه قيس سعيد يعطيه الشرعية الكاملة لممارسة صلاحياته الدستورية، وهو رئيس لكل التونسيين”. وتحاول حركة النهضة فك الحصار السياسي والدستوري المفروض عليها في مسار تشكيل الحكومة وإيجاد سند سياسي يساعدها في تقريب وجهات النظر، في ظل عدم قدرتها على تشكيل حكومة ضامنة لأغلبية برلمانية تمنحها الثقة في البرلمان ومع تمسك الأحزاب المدعوة إلى مشاركتها في الحكم بشروط هذه الأحزاب. ويحتم الدستور التونسي على النهضة، باعتبارها الحزب الأول في الانتخابات التشريعية، ترشيح شخصية لتشكيل حكومة في أجل شهر يمدد لمرة واحدة، فإذا فشل في ذلك يمنح الدستور الرئيس حق اختيار الشخصية التي يراها الأقدر على تشكيل الحكومة في مدة أقصاها شهران إضافيان. وفي حال استمر فشل تشكيل حكومة بعد استكمال أربعة أشهر منذ بداية المهلة الأولى، فإن الخيار الأخير المتبقي هو أن يحل الرئيس البرلمان ويدعو إلى انتخابات تشريعية مبكرة. ويبدو أن زعيم حركة النهضة الإسلامية، راشد الغنوشي، يسعى إلى إقناع حزب التيار الديمقراطي وحركة الشعب، بتفاصيل تشكيل الحكومة عن طريق قيس سعيد الذي يدعمانه ويتوافقان معه في عدة توجهات سياسية، خاصة وأن حركة الشعب اقترحت على النهضة تشكيل “حكومة الرئيس”. وقال الأمين العام لحركة الشعب، سالم الأبيض، لـ”العرب” إن الحركة تقترح أن يتم تشكيل حكومة الرئيس دون المساس بالأحكام الدستورية، بحيث يكلف قيس سعيد شخصية سياسية بتشكيل الحكومة مباشرة، دون تكليف زعيم النهضة بتشكيل الحكومة لأنها لن تقدر على التوافق مع الأحزاب في هذه المسألة، وفق رأيه. وأكد الأبيض أن قوة الشرعية الانتخابية التي حظي بها قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية تمنحه تفويضا سياسيا للتدخل في محادثات تكوين الفريق الحكومي في ظل تمسك النهضة بتزعم الحكم رغم فشلها في إدارته منذ ثماني سنوات. وجرى ليلة الأربعاء، لقاء بين الرئيس التونسي المنتخب، قيس سعيد، والأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي وعضو مكتبها السياسي سالم الأبيض في مقر إقامته. حركة النهضة تحاول فك الحصار السياسي والدستوري المفروض عليها في مسار تشكيل الحكومة وإيجاد سند سياسي يساعدها في تقريب وجهات النظر وتناقش سعيّد وقياديا حركة الشعب لمدة استغرقت ساعة ونصف الساعة بشأن الوضع الحالي في البلاد وموقف حركة الشعب من تشكيل الحكومة واقتراحها حكومة الرئيس. واتضحت رغبة الرئيس التونسي المنتخب قيس سعيد في المشاركة في محادثات تشكيل الحكومة الجديدة، يوما قبل توليه رسميا منصب رئاسة الجمهورية، حيث أكد إثر تصريحه بمكاسبه لدى هيئة مكافحة الفساد، عزمه العمل على تشكيل الحكومة، وفق أحكام الدستور. وقال سعيّد “سنعمل في البداية على تشكيل حكومة لا يجب أن تكون حكومة مثل حكومات السنوات الماضية، مشكلة وفق محاصصات حزبية وتصفية حسابات وتوزيع مناصب”. ورغم تزايد مخاوفه من فشله في تشكيل حكومة في الآجال الدستورية، يصر الحزب الإسلامي في تونس على اتباع سياسة المناورات، فتعلن النهضة تارة ترشيح الغنوشي لرئاسة الحكومة، ثم تستدرك بإعلانها فتح المجال للمفاوضات بشأن منصب رئاسة الحكومة وتحاول جاهدة إقناع حلفائها المرتقبين بخياراتها حتى لو تتطلب الأمر أن تتخلى عن دورها في تكليف شخصية بتشكيل الحكومة ومنحه لقيس سعيد.
مشاركة :