إمام وخطيب المسجد الحرام : الذُّلُّ والانكسارُ روحُ العبودية ومُخُّها ولُبُّها، واللهُ سبحانه أقربُ ما يكون إلى عبده عند ذُلِّه وانْكسارِ قلبِهِ

  • 10/25/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الدكتور بندر بليلة المسلمين بعد أن حمد الله وأثنى عليه فقال : فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التَّقوى، وراقبوه في السِّرِّ والنَّجوى، ولا تغرَّنَّكم الحياةُ الدُّنيا؛ فإنَّها دارُ فِرارٍ، لا دارُ قرارٍ، ومَطِيَّةُ عَمَلٍ، لا مَطِيَّةُ كَسَلٍ، ومَتجَرٌ بضاعتُه الطَّاعةُ، ورِبحُه الفوزُ يومَ تقوم السَّاعة. أيُّها المسلمونَ: إنَّ مِنَ الحقائقِ الكُبْرى، التي لا تحجِبُها الأهْواءُ، ولا تغيِّرُها الآراءُ: أنَّ هذا العالَمَ عُلْويَّه وسُفليَّه، إنسَه وجنَّه، وجميعَ خَلْقِه، مفتقِرٌ إلى الله غايةَ الافتقارِ، مضطَرٌّ إليه أبلغَ الاضطرار، لا غِنى له عنه طَرْفةَ عينٍ، ولا قيامَ له من دونه، ولا حياةَ له أصلا؛ فإنَّه تعالى الحيُّ القيُّوم، الذي يقوم على خلقه بما يُصلِحُهم، فلا صلاحَ لهم من دونه أبدًا. غيرَ أنَّ هذا الافتقار وإنْ تعدَّدت أنواعُه، واختلفت أحوالُه؛ فإنَّ هناك نوعًا هو أشرفُها وأكرمُها وأعلاها وأغلاها، وهو نوعٌ يتسامى عن زُخرف الحياة وملذَّاتها، إنَّه الافتقار إلى الله تعالى أنْ يغفر الذَّنوب، ويستر العيوب، ويطهِّر القلوبَ، ويأذنَ بالتَّوبة، ويفتح لها المغاليق. وقد كانَ السَّعيُ إلى هذا المطلبِ هو دَأْبَ المرسلين وهِجِّيراهم، الذي أقضَّ منهم المضاجِعَ، وأقامهم بين يَدَيْ ربِّهم، لا يَفْتَأونَ يسألونه تعالى المغفرةَ والرحمةَ، بقلوبٍ مُلْتَهِبة، وأنفسٍ مُبتَهِلةٍ، وأعينٍ خاشعة. وذكر فضيلته أن سيِّدُ الأوَّلين والآخرين، ورحمةُ الله للعالمين: محمدُ بنُ عبدِ اللهِ، عليه صلواتُ اللهِ ما ذكره الذَّاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون؛ فكانَ أرغبَ النَّاسِ إلى ربِّه، وأخوفَهم من مَقامه، وأشدَّهم رَهَبًا من غضبه وعقابه، وأليمِ عَذابِه، وقد ألهمه سبحانه الاستغفارَ والتوبةَ إليه، فكان ذلك يجري منه مجرى النَّفَس، فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «وَاللهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً». أخرجه البخاري. وحكتْ أمُّ المؤمنين-أيضًا- مشهدًا بديعًا آخرَ من تعبُّده وتقرُّبه، قالتْ: «افتقدتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ذاتَ ليلةٍ، فظنَنْتُ أنَّه ذهبَ إلى بعضِ نسائه؛ فتحسَّسْتُ ثمَّ رجعتُ، فإذا هو راكعٌ أو ساجدٌ، يقولُ: «سُبحانَك وبِحمدِكَ، لا إلهَ إلَّا أنتَ!» فقلتُ: بأبي أنتَ وأمِّي! إنِّي لفي شأنٍ، وإنَّكَ لفي آخَرَ» أخرجه مسلمٌ. وافتتح خطبته الثانية بحمد الله والثناء عليه وقال : فلا غَرْوَ أنْ كانتْ تِلْكَ هي حالَ الأنبياءِ والمرسلين-عليهم السَّلامُ- في توبتهم إلى الِله عزَّ وجَلَّ؛ فإنَّ منزِلةَ التَّوبةِ هي أوَّلُ المنازلِ وأوسطُها وآخرُها، فلا يُفارِقُها العبدُ السَّالكُ إلى اللهِ، ولا يَزالُ فيها إلى المماتِ؛ فالتَّوبةُ هي بداية العَبْدِ ونهايتُه، وحاجتُه إليها ضرورية في النِّهايةِ، كحاجتِه إليها في البداية. والذُّلُّ والانكسارُ روحُ العبودية ومُخُّها ولُبُّها، واللهُ سبحانه أقربُ ما يكون إلى عبده عند ذُلِّه وانْكسارِ قلبِهِ، والقَصْدُ: أنَّ شَمْعةَ الخير والفضلِ والعطايا إنَّما تَنْزِل في شَمْعَدَانِ الانكسارِ، وللعاصي التَّائبِ من ذلك نصيبٌ وافرٌ.

مشاركة :