من ينظر إلى خريطة الشرق الأوسط الآن يشاهد الحرائق في معظم الدول العربية، باستثناء دول مجلس التعاون الخليجي والمغرب والأردن، فمن العراق وسورية وليبيا وتونس ومصر واليمن، وصولاً إلى لبنان، تبدو الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية غير مستقرة، ناهيك عن الصومال الذي أصبح منسياً. فمنذ اندلاع الاحتجاجات في تونس عام 2010، وانتقالها إلى مصر وليبيا وسورية، والمنطقة العربية لم تستقر، بل تحولت إلى مناطق نزاع شبه دائم ومتنقل بين دوله المختلفة، وبدأت العديد من التنظيمات المسلحة تبرز في المنطقة، حتى إن بعضها سيطر على أجزاء كبيرة جداً من أراضي بعض الدول، كما فعل تنظيم داعش في كل من العراق وسورية، وحركة الشباب في الصومال، لذلك أصبحت العديد من الدول تحت تهديد هذه المنظمات المسلحة، ناهيك عن التنظيمات الأخرى التي تنشئها بعض الحكومات مثل قوات الدفاع الوطني في سورية وقوات الحشد الشعبي في العراق، والتي تحمل أهدافاً وفكراً طائفياً أدى إلى تفتيت هذه الدول، ووقوع شعوبها بين رحمة المليشيات الطائفية التي ترعاها حكومات هذه الدول الظالمة، وبين منظمات متطرفة تحاول فرض رؤيتها ومنهجها بقوة السلاح والتطرف. يبدو أن المنطقة العربية أصبحت الآن مكاناً للصراع الدولي والإقليمي، وكذلك التباين بين الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا، اللتان تتزعمان توجهين مختلفين تجاه المنطقة، تمليه مصالح الدولتين الجيوسياسية والاقتصادية بشكل كبير، إذ برز هذا التباين والاختلاف بين الدولتين الكبريين عندما جاء ما يسمى «ثورات الربيع العربي»؛ لتخلق واقعاً دولياً وإقليمياً جديداً، أو واضح المعالم، من حيث الرؤى والتوجهات، فالولايات المتحدة في مرحلة استعادة دورها الذي كانت تخطط للتخلي عنه في الشرق الأوسط، وتتجه إلى الشرق الأقصى، بعد خسارتها في العراق وأفغانستان، وفقدانها الهدف الذي كانت قد خططت لتحقيقه من خلال احتلال الدولتين، لكن واقع الشرق الأوسط الجديد، ومحاولة روسيا فرض نفسها كدولة كبرى لها مصالحها في المنطقة، جعل الإدارة الأميركية تعيد ترتيب أوراقها وأولوياتها، فبدأت تخطط لتستعيد دورها في المنطقة، من خلال الاستفادة من هذه الثورات في تحقيق مصالحها، فدعمت الأوروبيين في ليبيا، وساعدتهم في الإطاحة بالقذافي، وكذلك دعمت الاحتجاجات في مصر، والثورة في سورية، ولكن بدرجات متفاوتة، ومن دون التدخل العسكري الواضح. أما روسيا فتعتقد أن الفرصة قد جاءتها على طبق من ذهب لإعادة دورها المؤثر في الساحة الدولية عن طريق الشرق الأوسط،، بعد أن فقدته مع انهيار ما كان يسمى «الاتحاد السوفياتي»، فدعمت نظام الأسد سياسياً وعسكرياً، ليستمر في قمع الشعب السوري، وكذلك مساندتها لإيران الداعم الرئيس للنظام السوري، وبتنسيق سياسي مع الصين في مجلس الأمن الدولي؛ لاستخدام حق النقض ثلاث مرات، وضمت القرم لسيادتها، وبذلك تكون قد استفادت من الأزمة في سورية، باستغلال الوضع في أوكرانيا، وضم شبه جزيرة القرم لها، موجهة ضربة قوية لحلف الناتو والغرب عموماً في أوروبا. أما الصين التي بدأت تشعر بأنها القوة الاقتصادية التي تنافس على المركز الأول، فيحق لها أن تكون لاعباً رئيساً في المسرح الدولي السياسي، ولاسيما في المنطقة العربية، ولذلك استخدمت حق النقض الفيتو ثلاث مرات مع روسيا، وهي الدولة الأقل استخداماً له بين أعضاء مجلس الأمن الدائمين، فهي لم تستخدمه إلا ست مرات قبل الأزمة السورية، ثلاث منها مزدوج مع روسيا، ثم أضافت ثلاث مرات مزدوجة مع روسيا تجاه الأزمة السورية، وهي محاولة صينية؛ لصياغة واقع جديد في علاقاتها مع القوى الدولية وفرض نفسها قوةً عالميةً، وتبدأ لتأسيس مرحلة جديدة من السياسة الصينية تجاه العالم، ولذلك لا بد للصين من أن يكون الشرق الأوسط الغني بمصادر الطاقة ضمن الاهتمام الصيني القوي، فأهميته الاستراتيجية بالنسبة إلى الصين هي ليست محل نقاش، ولاسيما مع تنامي الاقتصاد الصيني، وتمددها في قارات العالم كافة؛ بحثاً عن أسواق لمنتجاتها، وأيضاً إبراز وجودها وقوتها وحماية مصالحها، وتعزيز حضورها على المسرح الدولي. بالنسبة إلى القوى الإقليمية إيران وتركيا وإسرائيل، فقد كان الصراع بين العرب وإسرائيل هو السائد، حتى جاءت ثورة الخميني في إيران، فحول التدخل الإيراني وشعار تصدير الثورة إلى الدول العربية وجهة الصراع إلى إيران، وبذلك هي قدمت خدمة مجانية لإسرائيل، من خلال تدخلها بالشؤون العربية، بأن العرب لم تعد قضية فلسطين هي الأولوية لهم، فالمد الإيراني الفارسي، أصبح مهدداً للشعوب العربية، ولدولها، فمن الواضح الآن أن التهديد الإيراني، وبشكل علني أصبح يعمق الأزمات العربية، في سورية والعراق ولبنان واليمن، وأصبحت مواجهته والحد منه أولوية بالنسبة إلى العرب، وهو ما حصل في اليمن عندما وصلت الأمور إلى حد تهديد مصالح الأمن القومي العربي والخليجي، فواجهت السعودية إيران في اليمن، وخلق تحالف عربي، أصبح مهماً ونواة؛ لإعادة إحياء التحالف والتضامن العربي في وجه القوى الإقليمية كإيران وإسرائيل المهددين الرئيسين للمصالح العربية. الدول العربية اليوم هي في أضعف حلقات تاريخها الحديث، فجامعة الدول العربية غير فاعلة، لذلك أخذت المملكة على عاتقها النهوض بالعرب في وجه القوى الإقليمية والدولية التي لها مطامع في المنطقة وعلى رأسها إيران، وهي تستطيع القيام بهذا الدور، فهي التي حافظت على استقرارها ونموها، مع دول الخليج العربية الأخرى، والمتمثلة بمنظومة مجلس التعاون الخليجي، وهو المنظومة العربية الوحيدة الفاعلة الآن، لذلك استطاعت وبمساندة دول الخليج الأخرى، ولاسيما الإمارات والكويت أن تقف إلى جانب مصر في أزمتها السياسية والاقتصادية؛ إدراكاً منها للدور الذي ستلعبه مصر في حال اجتيازها الأزمة، وكذلك تشكيل قيادة «عاصفة الحزم»، ثم «إعادة الأمل»، وهو دور أبرزها لاعباً قوياً في المنطقة. لذلك يرى المحللون أن المنطقة ما زالت مسرحاً للصراع الدولي وتصفية الحسابات وتعزيز المصالح بين الدول الكبرى، وستستمر حتى تنهض الدول العربية من مشكلاتها، وهو ما تقوم به السعودية الآن، فهي تحارب التدخلات الإقليمية وعلى رأسها إيران، وكذلك تحارب الإرهاب والتطرف، لتقتلع أي مبرر دولي وإقليمي للتدخل في المنطقة، وتسعى إلى خلق نوع من الاستقرار والأمن؛ حماية للشعوب العربية.
مشاركة :