د. شوقي علي باحميد ظلت الترجمة، لفترة طويلة، أسيرة النظرة القاصرة لدى الكثيرين بأنها عمل هيِّن يستطيع كل من تعلَّم لغتين وتأبَّط قاموساً أن يمارسها، وكابدت الترجمة ما لم تكابده أية مهنة من المهن من كثرة الدخلاء والمتطفلين عليها ممَّن ليسوا أهلاً لها، حتى أصبحت، كما يقول بعض الباحثين «مهنة من لا مهنة له».بيد أنه مع انكشاف رداءة العديد من الترجمات المنشورة، وتزايد الشكاوى من ركاكة الأعمال المترجمة التي ينتجها أنصاف المترجمين وأشباههم، تنامى الإدراك بأن إتقان الترجمة يتطلَّب توفُّر العديد من المهارات والقدرات والمعارف لدى من يتصدَّى لها، فضلاً عن الممارسة الدائمة والخبرة، وقد برز في العقدين الماضيين استخدام مفهوم «كفايات الترجمة» باعتباره مفهوماً دقيقاً وشاملاً يؤطِّر لمجمل الشروط والمتطلبات اللازمة للتمكُّن من ناصية الترجمة، وتشتمل على كفايات لغوية وتواصلية وثقافية ومعرفية واستراتيجية وغيرها.يضاف إلى ذلك كله عامل المعاناة الكبيرة التي تكتنف عمل المترجم، حتى أنني لأميل إلى تشبيهها بمخاض المرأة الحامل التي لا تتوقف معاناتها إلا بخروج المولود سليماً معافىً، وقد صوَّر الروائي فواز حداد، بشكل مبدع، المعاناة في الترجمة ومصاعبها في روايته الموسومة «المترجم الخائن».تعتبر جدلية الإبداع بين المؤلف والمترجم من أهم القضايا ذات الصلة بالنقاشات الدائرة حول الإبداع في الترجمة، ويرى البعض أن الترجمة أصعب من التأليف، وأن مهمة المترجم أشق وأعسر من مهمة المؤلف، إذ ينبغي على المترجم أن يتقيّد بالمعاني الواردة في النص الأصلي ونقلها إلى لغة أخرى بدقَّة وأمانة، ويسعى، في الوقت ذاته إلى تحقيق طموحه المشروع بإبراز شخصيته ووضع بصماته في العمل المترجم. كما يلقى الرأي القائل بإمكانية تفوُّق المترجم على المؤلف قبولاً لدى الكثيرين، بل نجد أن عدداً من كبار الأدباء العالميين لا يجدون غضاضة في الاعتراف بأن بعض الترجمات لأعمالهم الأدبية قد فاقت الأصل في جودتها وبراعتها. ونخلص من ذلك، أن الترجمة الأدبية تُعدُّ عملاً إبداعياً يوازي الأصل، وأنه يمكن للمترجم أن يتفوَّق على المؤلف باعتراف العديد من كبار الأدباء العالميين. أستاذ اللسانيات جامعة الشارقة
مشاركة :